أطرافه بحيث لا يتمكنون من الاستطراق في وسطه؛ فإنه لا بأس أن يتخلى الإنسان في هذا الجانب الذي لا يستطرقه الناس؛ لأنه قال:"طريق الناس"، ولم يقل: الطريق عامة، فعلى هذا لو كان الطريق واسعا واحتاج الإنسان أن يتغوط أو يتبول في هذا الطريق الذي لا تطرقه الأقدام فظاهر الحديث أنه لا بأس به، ولكن هاذ مشروط بألا يكشف عورته أمام الناس.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يحرم التخلي في الظل مطلقا، بل في الظل الذي يقصده الناس لقوله:"أو ظلهم"، أما مجرد الظل فلا يحرم.
استثنى بعض العلماء - رحمهم الله- قال: ما لم يكونوا يقصدون الظل للجلوس فيه لغيبة الناس، يعني لو كان هؤلاء يجلسون في الظل يغتابون الناس أو يشربون الخمر أو يفعلون معصية يأوون إلى الظل لهذا الغرض؛ فإنه لا بأس أن يتخلى فيه؛ لأن ذلك سبب لبعدهم عنه، ولكن هذا الاستثناء فيه نظر؛ لأنهم إذا بعدوا عنه ذهبوا يلوثون ظلا آخر يعني: لن ينتهوا، ثم إنه لو حصل هذا التخلي في هذا الظل الذي يقصده هؤلاء ربما يقصده أناس يحتاجونه ولا يعملون فيه المعصية فهذا الاستثناء فيه نظر.
والصواب: أنه إذا كان هذا الظل مأوى لمن يعمل فيه المعاصي أن يجلس الإنسان فيه حتى إذا جاء الذين يعتادونه للمعاصي ينكر عليهم، هذا هو الحل، أما أن يتغوط أو يبول في هذا المكان الذي حذر منه النبي - عليه الصلاة والسلام- ففيه نظر.
هل يمكن أن نأخذ من هذا الحديث قاعدة عامة وهي تحريم أذية المسلمين بأي نوع من الأذى؟ نعم، نقول: إن هذا الحديث يدل على تحريم أذية المسلمين بأي نوع من الأذى سواء بالقول، أو الفعل، أو اللمس، أو أي شيء.
٨٤ - وزاد أبو داود، عن معاذ رضي الله عنه:"والموارد". ولفظه:"اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل".
"اتقوا الملاعن" نقول: في "اتقوا" كما قلنا في الأولى؛ أي: احذروا، و"الملاعن" مكان اللعن، يعني: الأمكنة التي تكون سببا للعن، وذلك مفسر في قوله:"البراز في الموارد"، والمراد ب"البراز" هنا: قضاء الحاجة، يفسره الحديث الذي قبله:"الذي يتخلى في طريق الناي أو ظلهم".
"الموارد" جمع مورد، وهو ما يرده الناس للشرب، أو للاستسقاء من حوض أو غدير، أو ساقية، أو نهر أو ما أشبه ذلك، المهم أن الناس يردونه للاستسقاء والشرب، فإنه لا يحل للإنسان أن يتبرز فيه.
"وقارعة الطريق" هناك "طريق الناس" وهنا قال: "قارعة الطريق" يعني: التي تقرعها الأقدام.