الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد على أنه إذا كان سبب الحق ظاهرًا فلك أن تأخذ بغير علم من له الحق، وإن لم يكن ظاهرًا فليس لك أن تأخذ، واستدلوا لذلك بأن الأصل احترام مال المسلم:«إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا»، هذا عام خُص منه ما دلّ الدليل على جوازه، وهو أخذ المرأة من المال زوجها كحديث هند، وأخذ الضيوف مِن مال من استضافوه ولم يضيفهم، هل مثل ذلك الأب لو قصّر لابنه في النفقة، أو الأخ لو قصر أخوه في النفقة الواجبة ولا؟ نعم مثله، وعلى هذا فنقول: الأصل في الأموال التحريم، فلا يحل لأحد أن يأخذ من مال أخيه شيئًا إلى بدليل شرعي، ووقد دل الدليل على جواز أخذ من له النفقة ومن له الضيافة فتقتصر على ما دلّ عليه الدليل، وأما قوله سبحانه:{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا} فقد بينا أن هذا في العدوان الظاهر إنسان ضربك اضربه، إنسان نهب منك مالاً انهب المال الذي معه، وما أشبه ذلك، أما الأشياء الخفية فلا، ولأنه لو أجيز الأخذ بما سببه خفي لكان في ذلك فوضى بين الناس؛ لأن كل واحد يقول: أخذت من ماله لأني أطلبه، فيكون هناك فوضى، هات بينة، وقد يعثر استرجاع الحق به، وأما الحديث الذي معنا:«ولا تخن من خانك» فهو بمعزل عن هذا كله؛ لأن الذي ائتمنك جعلك أمينًا والأمين لا يجوز أن يكون خائنًا؛ لأن ذلك ينافي متضى العقد فلا تخن من خانك، وقوله شامل للعارية؛ أي: في قوله: «أدَّ الأمانة إلى من ائتمنك».
[أنواع العارية]
٨٥٣ - وعن يعلى ابن أمية رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتتك رسلي فأعطيهم ثلاثين درعًا، قلت: يا رسول الله، أعارية مضمونة أو عاري مؤداه؟ قال: بل عارية مؤداه». رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان.
قوله:«إذا أتتك رسلي»، يعني: الذين أرسلهم إليك، «فأعطهم ثلاثين درعًا» ولم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم منه علامة كما قال ذلك فيمن أرسله إلى وكيله في خيبر يقول: «فقلت يا رسول الله، أعارية مضمونة أم عارية مؤداه؟ » قال: «بل عارية مؤداه»، الفرق بينهما أن العارية المؤداة هي التي ترد بعينها إن بقيت، فإن تلفت فليس على المستعير ضمان، والعارية المضمونة هي التي لو تلفت لضمنها المستعيد.
وهذا الحديث فيه فوائد: أولاً: جواز استعارة الدروع وهي عبارة عن قمص من حديد