مُحلق مربوطة كل خلقة في الأخرى حتى يصير كأنما نسج من حديد يتخذه الناس عند القتال ليتقوا به رءوس السهام؛ لأن السهم إذا ضرب الحديد ما ينفذ وجُعل ليسهل التحرك فيه، وهو موجود أظنه عند بعض الناس هنا لمن أراد أن يطلع عليه، وفيه دليل على أن العارية حسب شرط المعير على المستعير، إن كانت مؤداه فهي مؤداه، وإن كانت مضمونة فهي مضمونة، ولا إشكال في أنه إذا وجد الشرط فالحكم على حسب الشرط، لكن إذا فقد الشرط فهل هي مؤداه أو مضمونة؟ في هذا خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال: إنها مؤداه، ومعنى مؤداه: أنه لا ضمان على المستعير إلا بتعدٍّ أو تفريط لقوله صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك»، وهذه أمانة، ومنهم من قال: إنها ليست مضمونه إلا أن يشترط، فإن اشترط، فإن اشترط فهي مضمونة سواء تعدي أو فرط، واستدلوا بهذا الحديث وبالذي بعده وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحلّ حرامًا أو حرّم حلالًا»، وعلى هذا فتكون مضمونه إن شرط أنها مضمونة، وإن لم يشترط فلا ضمان ما لم تعد أو يفرط.
القول الثالث: أنها مضمونة ما لم يشترط عدم الضمان، فإن اشترط عدم الضمان فلا ضمان وإلا فهي مضمونة، والفرق بينه وبين الأول: أن الأول يقول: هي مضمونة لكل حال سواء فرّط أو لم يفرط تعدي أو لم يتعدّ، والقول الصحيح في هذا أنها ليست مضمونة إلا بالشرط، وذلك لأنها أمانة داخلة في عموم الأمانات التي ليس فيها ضمان إلا بتعد أو تفريط، فإن شرط ضمانها فعلى ما شرط؛ لأنه هو الذي ضيق على نفسه، مثال ذلك: استعار منك شخص كتابًا فقلت له: عليك ضمانه فالتزم، فهنا يضمن الكتاب سواء تعدّى أو فرّط أم لم يتعدّ ولم يفرط؛ لأنه شرط عليه فإن شرط عدم الضمان فلا ضمان، وإن سكت ففيه خلاف: هل تضمن أو لا تضمن؟ والصحيح: أنه لا ضمان، ويستثنى من ذلك ما مر علينا، فمثلًا: إذا تلفت العارية فيما استعيرت له، مثل المنشفة إذا أصابها خمل فإنه لا ضمان عليك، وكذلك الكتاب لا شك أنه مع الاستعمال يضعف تجهيزه فليس عليك ضمان، لأنه تلف فيما استعمل له فليس فيه ضمان.
٨٥٤ - وعن صفوان بن أمية رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه دروعًا يوم حنين. فقال: أغصب يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة». رواه أبو داوود، وأحمد، والنسائي، وصححه الحاكم.