استعار منه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك قبل أن يسلم صفوان، وقوله:"أغصب"، يعني: أهي غصب؟ وقوله:«عارية مضمونة»؛ يعني: علينا ضمانها لو تلفت، في الأول قال الرسول:«بل عارية مؤداة» وهنا قال: «عارية مضمونة»؛ لأن هذا كافر لم يسلم بعد، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطمئن قلبه بأنها مضمونة فأعاره، ولما أسلم وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يردها عليه تسامح فيها وقال:"يا رسول الله إني أسلمت" يعني: وإني أريدها لله عز وجل فصار ذلك خيرًا له.
ففي هذا الحديث فوائد: أولاً: جواز استعارة أدوات الحرب من الكافر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار هذه الدروع من صفوان قبل أن يسلم، ويقاس على الدروع كل عتاد الحرب، لكن بشرط أن نأمن من غشه أما إذا لم نأمن فإنه لا يجوز أن نشتريه منه؛ وذلك لأنه - أي: الكافر - عدو للمسلمين بكل حال كما ذكر الله تعالى في عدة آيات:{يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}[الممتحنة: ١]. {يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصرى أولياء ... }[المائدة: ٥١]. فهم يخشى منهم، فإذا أعطونا عتادًا حربيا من سلاح أو دروع أو وقاية من أشياء مهلكة أو ما أشبه ذلك، فإنه لا بأس به بشرط أن نكون في ضرورة إلى ذلك، فإذا كان هناك ضرورة إلى الاستعانة بهم، وأمنا من شرهم فلا بأس لأجل الضرورة، وليس هذا من توليهم، الذي يكون من توليهم هو أن نذهب إليهم لنعينهم على عدوهم مثل أن يقاتلهم عدو لهم فنذهب معهم نقاتل نعينهم على عدوهم فهذا من ولايتهم ولاشك، فإن كان عدوهم مسلمًا فإنه يخشى على من أعانهم أن يكون كافرًا؛ لأنه أعان كافرًا على مسلم، وإن كان عدوهم كافرًا فإن هذا حرام ولا يجوز بلا شك، ويمكن أن يلتحق المعين بالكافرين في هذه الحال إذا تولى هؤلاء وناصرهم محبة لهم، وأما إذا أعانوك هم على عدوك فليس هذا من باب الولاية، ولكن من باب دفع الضرورة إن اضطررت إليهم وأمنت من سوء عاقبتهم فلا حرج، وهذا هو القول الوسط في هذه المسألة، فإن من العلماء من قال: لا يجوز مطلقًا ومنهم من قال: يجوز ولو أدنى حاجة، ومنهم من قال: يجوز للضرورة وهذا هو الأقرب أنه إذا دعت الضرورة القصوى فلا بأس، أما مجرد الحاجة فلا، ولكن على كل حال ليس هذا من جنس الاستعانة بهم في أدوات الحرب وعتاد الحرب؛ لأن أدوات الحرب وعتاد الحرب الذي يستعمله المسلمون اليوم أغلبها من بلاد الكفار، لكنه يجب أن نأمن من أن يكون هذا العتاد عتادًا فاسدًا أو ضارًا بحيث أننا نضيع أموالنا في مثله ويخوننا عند الحاجة إليه؛ لأنهم لا يؤمنون أعداء بلا شك.
ومن فوائد الحديث: أن العارية إذا شرط المستعير ضمانها فهي مضمونة، وإن لم يشترط فليست بمضمونة؛ لأن يد المستعير يد أمانة، والأصل في يد الأمانة أنه لا ضمان عليها إلا بتعد أو تفريط.