فالله عز وجل يقول:{إنما الصدقات للفقراء والمساكين}. و"إنما" تفيد الحصر؛ يعني: الصدقات لا تكون إلا في هؤلاء الأصناف: {للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغامرين وفى سبيل الله وابن السبيل}.
قال العلماء: والفقراء أحوج من المساكين؛ لأن الله تعالى بدأ بهم، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم.
ثم قالوا: إن الفقير هو الذي يجد دون نصف الكفاية، أو لا يجد شيئًا أبدًا، وأصله موافقة القفر وهي الأرض الخالية، فالقفر والفقر يتفقان في الاشتقاق الأكبر وهو الاتفاق في الحروف دون الترتيب، فالأرض القفر معناها: الأرض الخالية، والفقر هو: الخلو، فالفقير إذن من يجد دون نصف الكفاية، أو لا يجد شيئًا. والكفاية إلى متى؟ قال العلماء تحدد الكفاية بسنة لأن السِّنة هي الزمن الذي تجب فيه زكوات الأموال فتعطي هذا الرجل ما يكفيه سنة؛ لأنه بعد السنة تأتى زكاة جديدة فيعطى إلى سنة، ثم تأتي سنة جديدة فيعطى إلى سنة وهلمَّ جرًّا. إذن قدرنا الكفاية بالسنة ووجه ما ذكرنا.
الثاني:"المسكين" هو المحتاج، وسمي المحتاج مسكينًا؛ لأن الحاجة أسكنته؛ لأن العادة أن الإنسان الغني يكون عنده رفعة رأي وسلطة في القول والفعل، ويتصدر المجالس بخلاف الفقير المحتاج فإنه قد أسكنته الحاجة، لكنه أحسن حالًا من الفقير؛ لأنه يجد نصف الكفاية ودون الكفاية هذان يأخذان لحاجتهما.
الثالث: وقوله: {والعاملين عليها} هم الذين ينصبهم السلطان لقبض الزكاة وقسمها وتفريقها فهم جهة ولاية وليس جهة وكالة ولهذا قال: {والعاملين عليها}، وأتى بـ"على" الدالة على أن لهم سلطة في الولاية؛ لأن "على" تفيد العلو، بخلاف الوكيل وكيل شخصي يؤدي زكاته ليس من العاملين عليها، فأنا إذا وكلتك تحصي زكاة مالي وتخرجها فلست من العاملين عليها بخلاف الذين ينصبهم السلطان الإمام فإنهم عاملين عليها؛ لأن لهم نوع ولاية وهؤلاء يعطون بقدر أجرتهم، أي: بقدر العمل الذي قاموا به؛ لأنهم استحقوها بوصف، ومن استحق بوصف كان له من الحق بمقدار ماله من ذلك الوصف فيعطون قدر أجورهم، وهؤلاء يعطون للحاجة إليهم لا لحاجتهم ولهذا يعطون ولو كانوا أغنياء، لأنهم يعطون على عمل للحاجة إليهم فنعطيهم بقدر عملهم.
أما الرابع: فـ"المؤلفة قلوبهم"، "المؤلفة" هذه اسم مفعول، و"قلوب" نائب فاعل، {والمؤلفة قلوبهم}: هم الذين نفرت قلوبهم واشمأزت من الإسلام وكرهت الإسلام وكرهت المسلمين، فهم يودون العدوان على المسلمين وعلى الإسلام، فيعطون ما يحصل به التأليف؛ لأنهم استحقوا