القرينة تدل على أنه للصغرى فإن الصغرى قالت:"هو لها يا نبي الله" فرحمته وأشفقت عليه، أما الكبرى فقد أكل الذئب ابنها فقالت: كما تلف ابني يتلف هذا، وهذا يدل على أنها ليس في قلبها رحمة لهذا الولد؛ إذن هذا عمل بالقرينة.
ومن سنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم في العمل بالقرينة أنه لما فتح خيبر سأل عن مال حيي بن أخطب رئيس بني النضير فسأل عنه فقالوا: يا رسول الله أفنته الحروب، قال: كيف ذلك المال كثير والعهد قريب وإذا كان المال كثيرًا والعهد قريبًا لم تفنه الحروب، ثم قال للزبير:"خذ هذا الرجل فمسه بعذاب" يعني: اضربه، فلما ذاق مس العذاب قال: إنني أرى حييًا يحوم حول خربة هناك في خيبر، فذهبوا إلى الخربة وأخذوا منها ملء جلد ثور ذهبًا مدفونة فهنا عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالقرائن، إذن العمل بالقرائن ثابت شرعًا.
ومن فوائد الحديث: حسن معاشرة زوجات النَّبي صلى الله عليه وسلم له؛ حيث أذن له أن يكون عند عائشة مع العلم بأنهن كل واحدة تحب أن يكون عندها، لكنهن قدمن راحة النبي صلى الله عليه وسلم على راحتهن.
ومن فوائد الحديث: ما حصل من المنقبة العظيمة لعائشة رضي الله عنها؛ حيث اختار النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يكون مرضه في بيتها، وزيادة على ذلك فإنه مات في حجرها بين حاقنتها وذاقنتها، ومات في يومها وفي بيتها، وآخر ما طعم من الدُّنيا ريقها، كل هذا من مناقبها، وهي من أبغض الناس عند الرافضة؛ لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم يحبها أكثر من غيرها من نسائه.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للرجل ذي الزوجات المتعددة أن يلمح لزوجاته باختيار إحداهن، وأن ذلك لا يعد إحراجًا، الدليل فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم، فإنه جعل يقول:"أين أنا غدًا؟ " حتى أذن له.
[القرعة بين الزوجات في السفر]
١٠٢٠ - وعنها قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهنَّ خرج سهمها؛ خرج بها معه". متَّفق عليه.
قولها:"إذا أراد سفرًا"، "السفر" قال العلماء في اللغة: هو مفارقة محل الإقامة، وقال بعض العلماء: السفر ما يرتحل له الإنسان بالزاد والمزاد، ولكن المعنى الأول أصح؛ لأن الإنسان أسفر فيه وتوسع وخرج، ومن ذلك قوله تعالى:{والصبح إذا أسفر}[المدثر: ٣٤].
فالرجل إذا فارق محل إقامته يقال: سافر، وقال بعضهم في تعليل السفر: إنما سمي سفرًا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال؛ أي: يبينها ويوضحها، فإن كثيرًا من الناس لا تتبين أخلاقه إلا