للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند السفر، تجد بعض الناس إذا سافر يخدم أصحابه يطبخ لهم، يأتي لهم بالحطب، يصنع كل شيء فيه الراحة، وبعضهم كالزنبيل المتقطعة عراه إذا كان في السفر من حين ما ينزل من السيارة وهو واضع جنبه على الأرض، وأحيانًا يقول: يا فلان، هات كذا، هات كذا، سوي لي شاي، هات تمرًا، هذا ليس ذا أخلاق، يقول بعض العلماء: أظنه نافعًا: "صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني".

فالسفر في الحقيقة يسفر عن أخلاق الرجال؛ ولهذا كان عمر إذا زكَّى أحد أحدًا قال له: تعال هل سافرت معه؟ قال: لا، قال: هل عاملته؟ قال: لا، قال إذن لا تعرفه؛ لأن الإنسان يعرف بالسفر ويعرف بالمعاملة، "إذا أراد سفرًا" ظاهر الحديث أنه لا فرق بين السفر الطويل والقصير وهو كذلك.

وقولها: "أقرع بين نسائه"؛ يعني: ضرب بينهن قرعة أيتهن تخرج، وكأن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يسافر إلا ومعه إحدى زوجاته، وقد يكون معه أكثر من واحدة، لكن لابد أن يصحب واحدة منهن؛ لأن هناك سننًا خفية لا يطلع عليها إلا النساء الزوجات فيحب صلى الله عليه وسلم أن تأخذ زوجاته منه حتَّى السنن في السفر فيخرج بهن أو بواحدة، فكيف يقرع؟ لم يبين، ولكن طرق القرعة كثيرة؛ أي: طريق يتوصل به إلى القرعة فليسلك سواء بكتابة أوراق أو بوضع أحجار أو وضع أعواد أو وضع خرق، المهم أي شيء تحصل به القرعة فليسلك، "فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه"، والباقيات يبقين.

ففي هذا الحديث عدة فوائد أولاً: كمال عدل النَّبي صلى الله عليه وسلم، ووجهه: أنه كان لا يسافر حتَّى يقرع بينهن، وإلا فمن الجائز أن يختار واحدة، ويقول: تخرج معي، ويختار الشابة منهن أو الخفيفة وتخرج معه، لكن لكمال عدله يقرع بينهن.

ومنها: أن القرعة طريق شرعي لإثبات المستحق؛ ودليله استعمال النَّبي صلى الله عليه وسلم لها، وقد ثبتت طريقًا لإثبات المستحق في القرآن في موضعين، وفي السنة في ستة مواضع.

ففي القرآن في قصة مريم: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} [آل عمران: ٤٤]. وفي قصة يونس: {إذ أبق إلى الفلك المشحون (١٤٠) فساهم فكان من المدحضين} [الصافات: ١٤٠ - ١٤١]. الفلك المشحون؛ أي: المملوء، وكانوا قد خافوا على أنفسهم، قالوا: إن بقينا

<<  <  ج: ص:  >  >>