١٢٠٠ - وعن ابن عباس رضي الله عنه قالك "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب في السقاء، فيشربه يومه، والغد، وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالثة شربه وسقاه، فإن فضل شيء أهراقه". أخرجه مسلم.
قوله:"كان الله ينبذ له" اشتهر عند كثير من العلماء أن "كان" تدل على الدوام، ولكن هذا ليس بصحيح ولكنها تدل على الاتصاف بما يقتضيه الخبر ولا يلزم من ذلك الاستمرار، ويدل لهذا أنكم تسمعون ما يمر عليكم من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى يوم الجمعة بسبح والغاشية، وفى حديث آخر كان يقرأ الجمعة والمنافقون، ولو قلنا: إن كان تفيد الدوام دائمًا لكان بين الأحاديث تعارض وليس الأمر كذلك، فـ"كان" لا تدل على الدوام دائمًا، أما هنا "كان ينبذ له الزبيب" فهذا أيضاً يدل على أنه ليس كل يوم ينبذ له.
وقوله:"ينبذ له الزبيب فى السقاء"، الزبيب هو العنب المجفف وهو عنب خاص، بمعنى: أنه ليس كل عنب يجفف يكون زبيبًا، "في السقاء"، السقاء معروف هو جلد الشاه أو المعز الدبوغ يوضع فيه الماء أو اللبن أو النبيذ فيشرب يوماً وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب؛ لأن الزبيب يكسب الماء حلاوة ويمتص ما في الماء من مكروبات، هو التمر، ففيه فائدتان: الأولى فى الماء والثانية في طعم الماء.
"فيشربه يومه والغد وبعد الغد" هذه ثلاثة أيام، "فإذا كان مساء ... ألخ" يعني: لا يبقيه بعد الثالثة؛ وذلك لأنه لو بقي بعد الثالثة لصار خمرًا وقد يصير خمرًا وانت لا تشعر، ولاسيما في البلاد الحارة كالحجاز فإنه يسرع إليه التخمر، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يهريقه إذا تمت له ثلاثة أيام خوفًا من أن يكون خمرًا وهو لا يشعر به، أما فى وقتنا الحاضر والثلاجات موجودة الآن فيمكن أن يبقى النبيذ لمدة طويلة ونأمن أمنا تامًّا من انتقاله إلى الخمر؛ لأنه يبقى بارداً ولا يتخمر، فالتقييد بثلاثة أيام إنما يكون حين يتحمل أن يكون خمرًا، أما إذا أمنا ذلك كما هو المعروف الآن فلا بأس، ولهذا قال العلماء: لو خلل الخل قبل أن يختمر لكان ذلك حلالًا بأن يوضع عليه أشياء قبل أن يتخمر ولا يتخمر بعدها ولو طالت المدة، وعلامة التخمر: أنك ترى الشراب يحصل فيه فقاعات مع أنه لا يوجد نار، ولكن ليس منه ما يوجد الآن في بعض العلب، يوجد الآن علب إذا فتحتها تطيش عليك هذا ليس خمرًا، لكن هذا النبيذ إذا بقي مدة مع الحر يربو وتراه كالأسفنج، هذا خمر، والعجيب أن هذا يوجد فى كثير من الأحيان