ومن فوائد الحديث: اشتراط النصاب في السرقة لقوله: "فبلغ ثمن المجن"، والمجن ثمنه ثلاثة دراهم، والدراهم تساوي في ذلك الوقت ربع دينار، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء هل الفضة والذهب كلاهما معتبر في نصاب السرقة أو الذهب فقط، والصواب أنه الذهب فقط، وأنها تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا ولا تقطع فيما دون ذلك، لكن كان الدينار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يساوي اثني عشر درهما فيكون ربعه ثلاثة دراهم.
ومن فوائد الحديث: مطابقة أحكام الشريعة للحكمة، ووجهه: التفريق في الأحكام بين هذه الأحوال الثلاثة حيث جعل لكل حال حكمًا خاصًّا، ويتفرع على هذه الفائدة قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية وهي: أنها لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين، لأنها من لدن حكيم خبير:{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا}[النساء: ٨٢].
[الشفاعة في الحدةد، ضوابطها]
١١٨٩ - وعن صفوان بن أميَّة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له لمَّا أمر بقطع الَّذي سرق رداءه، فشفع فيه:"هلَّا كان ذلك قبل أن تأتيني به؟ ". أخرجه أحمد والأربعة، وصحَّحه ابن الجارود والحاكم.
صفوان بن أمية يعني كان نائمًا في البطحاء، قيل: في بطحاء عارية، وقيل: في المسجد النبوي، وقيل: في المسجد الحرام، وهذا لا يوجب اضطراب الحديث؛ لأن المقصود منه لا اختلاف فيه، وهذه مرت علينا في مصطلح الحديث، أي: أن الاختلاف الذي ليس في أصل الحديث لا يعد اضطرابًا كاختلاف الناس في ثمن جمل جابر، واختلافهم فيما وجد في ثمن قلادة حديث فضالة بن عبيد.
قوله:"سرق رداءه"، ما هو الرداء؟ الرداء: ما يستر به أعلى الجسد، وكان أكثر اللباس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو الإزار والرداء، وقد توسد صفوان رضي الله عنه رداءه فسرق الرداء فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم "فأمر بقطع يده"، "فأمر" الفاعل هو الرسول صلى الله عليه وسلم، "بقطع يد الذي سرق"، لكن خذفت اليد للعلم بها، وقد أصَّل ابن مالك رحمه الله في ألفيته أصلًا مفيدًا في قوله:
وحذف ما يعلم جائزٌ كما ... نقول زيدٌ بعد من عندكما