ومن فوائد الحديث: ألَّا يأخذ من هذا التمر شيئًا يضعه في جيبه أو في طرف ردائه أو ما أشبه ذلك، لأن هذا متملك، والأول منتفع، الأول يريد أن يسد جوعته فقط، أما هذا فمتملك أخذه في جيبه أو في كمه أو في طرف ردائه فهذا حرام عليه، فإن فعل فعليه الغرامة والعقوبة، الغرامة لصاحب التمر، والعقوبة لحفظ الأمن إلى الإمام، ولكن العقوبة هذه قيل: إنها إضعاف القيمة عليه، فإذا كان الثمر الذي أخذه يساوي عشرة أضفنا إليها عشرة أخرى تكون لبيت المال وقال بعض العلماء: العقوبة تعزير يقدره القاضي، والصواب أن ينظر في ذلك لما هو أنكى وأمنع، قد يكون بعض الناس المال عنده غالٍ والقرش عنده أغلى من أن يضرب عشر مرات، وبعض الناس بالعكس لو أخذ منه الألف أو يضرب مرة واحدة لاختار الألف، فينظر القاضي لما هو أنكى وأمنع وأنفع.
ومن فوائد الحديث: أن من العلماء من أخذ منه قاعدة وهي أن من سرق من غير حرز ضوعفت عليه القيمة فإنه لا يقطع؛ لأنه يشترط الحرز ولكن تضعف عليه القيمة، وهذا هو المعروف عند كثير من العلماء، وقيل: إنه خاص بالثمر والكثر، والأقرب أن يقال: من أخذ من غير حرز فعليه عقوبة إما إضعاف القيمة، وإما جلد نكال.
ومن فوائد الحديث: اشتراط الحرز في المسروق لقوله: "ومن خرج بشيء منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع"، الجرين: مجمع الثمر، وذلك أن الثمار تجمع في مكان ما لتيبس وتنشف ثم تدخل في البيوت، لكن الآن صارت الآلات التي تنجزه بسرعة وليس فيه جرين، فكون إيواء المكان الذي فيه المكاين كإيواء الجرين.
فإن قال قائل: الآية عامة {والسَّارق والسَّارقة فاقطعوا أيديهما}.
قيل: إن صيغة العموم هنا الموصولية، وجه ذلك: أن "أل" الداخلة على المشتق اسم موصول، قال ابن مالك:
*وصفةٌ صريحةٌ صلة أل *
وعلى كل حال: نحن نقول: فيه عموم إما من الموصول وإما من كونه مفردًا محلًّى بـ "أل" التي ليست للعهد، أقول: إن قال قائل: اشتراط الحرز ينافي عموم الآية، قلنا: لكن هذه المنافاة - ليست من كل وجه، بل هي من بعض الوجوه، ما هي بعض الوجوه؟ أنه أخرج بعض أفراد العام من الحكم فهو من باب التخصيص، وتخصيص القرآن بالسُّنة جائز لا شك فيه؛ لأنه ليس رفعًا للحكم نهائيًّا، بل هو رفع للحكم عن بعض الأفراد وهذا هو التخصيص.