في الماء؛ يعني: أننا نعلم أنه مات بالغرق, وعليه فإذا كان الجرح موحيًا؛ أي: قاتلاً, ووجدناه في الماء فهل نأكل؟ نأكل؛ لأننا نعلم أنه مات بالسهم وليس بالغرق.
ومن فوائد الحديث: أنه لو وجد حريقًا في نار فهل يؤكل أم لا؟ في الواقع قد لا نستطيع العثور على الجرح, لكن إن أمكن أن نعرف أن الجرح هو الذي قتله فهو كالماء لكن لما كان الحريق أو المحترق لا يتبين فيه أثر السهم, قلنا: لا تأكل؛ لأن تبين أثر السهم بالحرق بعيد جداً بخلاف الغرق.
ومن فوائد الحديث: الحكم بالظاهر, وأنه وإن احتمل شيئًا آخر فلا عبرة به؛ لأنه قال: "إن غاب عنك يومًا ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت", وهذا غالب أحكام الشريعة مبنية على الظاهر إلا إذا كان هذا الظاهر يستلزم إبطال شيء متيقن فإنه لا يلتفت إليه؛ لأن اليقين مقدم على الظن. مثاله: رجل وجد حركة في بطنه ثم أشكل عليه انتقض وضوؤه أم لا؟ وغلب على ظنه أنه انتقض وضوؤه فهل يجب أن يتوضأ؟ لا, ولهذا قلنا: ما لم يكن ظاهرًا مبطلاً ليقين فإنه لا يلتفت إليه؛ إذ أن الظاهر ظن, والظن لا يثبت به اليقين؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أشكل عليه: أخرج منه شيء أو لا؟ قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحًا, والقاعدة عند العلماء: أن اليقين لا يزول بالشك.
ومن فوائد الحديث: أن ظاهره لا فرق بين أن يصيبه السهم بعرضه أو بحده, ولكن هذا الظاهر غير مراد؛ لأنه سيأتينا أنه إذا أصاب بعرضه فهو ميتة, وإن أصابه بحده فهو حلال.
[صيد المعارض]
١٢٨٣ - وعن عدي رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض, فقال: إذا أصبت بحده فكل, وإذا أصبت بعرضه, فقتل, فإنه وقيذ, فلا تأكل". رواه البخاري. هذا يقيد ظاهر الحديث السابق, أولاً: ما هو المعراض؟ المعراض هو عصا في رأسها حديدة محددة يصطاد به الناس كما قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم} [المائدة: ٩٤]. فهو رمح في الواقع, فيقذف به الصائد على الصيد, فإما أن يصيبه بحده, وإما أن يصيبه بعرضه, إن أصابه بحده يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فكل"؛ لأنه إذا أصابه بالحد مع قوة الرمي انجرح فأنهر الدم, وإن أصابه بالعرض فإنه لا ينجرح, وإذا قدر أن الصيد مات فقد مات بثقله لا بحده؛ ولهذا قال: "إنه وقيذ" وقوله: "عن صيد المعراض" هذا من باب إضافة الشيء