فتكون بالغة بالإنزال السابق للحمل, أما النفاس فهو بعده, وهذا من الفروق بين النفاس والحيض, ومن الفروق: أن الطلاق في النفاس جائز, وفي الحيض ليس بجائز, دليل ذلك قول الله - تبارك وتعالى -: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: ١]. والنفاس لا يعتد به في العدة, وإذا كان لا يعتد به في العدة, وإنما تبدأ المطلقة في العدة من حين الطلاق فإنه يكون قد طلق للعدة, أما الحيض فهو إذا طلق في أثناء الحيضة ستلغى هذه الحيضة التي وقع فيها الطلاق وحينئذ لم يكن طلق للعدة؛ لأن عدة الحائض ثلاث حيض.
فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «مره - يعني: عبد الله بن عمر - فليطلقها طاهرة أو حاملًا».
قلنا: بلى, لكن ليطلقها طاهرًا من الحيض؛ لأن ابن عمر طلقها وهي حائض؛ ولهذا قال: «أو حاملًا» , واستدل النبي صلى الله عليه وسلم بالآية, فيكون هنا فرق بين النفاس وبين الحيض, الحيض لا يجوز فيه الطلاق, والنفاس يجوز فيه الطلاق, وفيه ستة فروق مع أن كثيرًا من الفقهاء لم يذكروا إلا أربعة لكن فيه زيادة.
[شرط ستر العورة وضوابطه]
١٩٩ - وعن جابر رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إذا كان الثوب واسعًا فالتحق به» - يعني: في الصلاة -. ولمسلم: «فخالف بين طرفيه وإن كان ضيقًا فاتزر به». متفق عليه.
قال: «إذا كان الثوب واسعًا فالتحف به» , يعني: اجعله لحافًا لك يشمل جميع البدن؛ ولهذا قال: «خالف بين طرفيه, وإن كان ضيقًا فاتزر به» يعني: استر أسفل البدن؛ لأنه إذا كان ضيقًا لا يتسع للبدن كله, فهو إما أن يستر أعلاه أو يستر أسفله, وأيهما أحق؟ ستر الأسفل؛ ولهذا قال: «فاتزر به» , أي: اجعله إزارًا, فهذا أيضًا يستفاد منه أنه لابد من ستر العورة في جميع البدن, لكن إذا كان الثوب واسعًا, فإن كان ضيقًا كفى الاستتار, فيستفاد من هذا الذي ذكرنا: أن الأولى للإنسان في حال الصلاة أن يستر جميع بدنه, ويدل لهذا قول الله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: ٣١]. يعني: لباسكم, عند كل مسجد أي: عند كل صلاة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجب ستر أعلى البدن في حال الصلاة لقوله: «فاتزر به» ولم يقل: فصل بما يستر البدن, أو كلمة نحوها, فدل هذا على أن أعلى البدن ليس بعورة وهو كذلك, وقد ذكر العلماء - رحمهم الله - أن عورة الرجل في الصلاة ما بين السرة والركبة, فتكون