وقوله: «إلا بخمار» الخمار ما يخمر به الرأس؛ أي: يغطى به.
ففي هذا الحديث فوائد منها: أن العبادات قد تقع مقبولة أو مردودة, فما هو الضابط؟ الضابط ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد». وفي لفظ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» , فهذا الضابط في المردود, وما عدا ذلك فهو مقبول.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المرأة إذا بلغت وجب عليها عند الصلاة أن تستر رأسها بالخمار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار». سكت عن بقية البدن, سكت عنه لأحد أمرين: إما أن يكون بقية البدن ليس من العورة في الصلاة, وإما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سكت عنه لأن ستره معلوم, فلننظر: الوجه سكت عنه فماذا نقول؟ نقول: سكت عنه؛ لأن ستره في الصلاة ليس بواجب, سكت عن اليدين والقدمين هل نقول: لأن سترهما معلوم, أو لأن كشفهما معلوم؟ يحتمل هذا وهذا؛ ولذلك اختلف العلماء - رحمهم الله - في وجوب ستر الكفين والقدمين في أثناء الصلاة, فمنهم من قال بالوجوب, ومنهم من قال بعدم الوجوب, والقول بعدم الوجوب أظهر, والقول بالوجوب - أي: وجوب الستر - أحوط, وعلى هذا فنأمر المرأة قبل أن تصلي أن تستر الكفين والقدمين, لكن لو أنها صلت مكشوفة الكفين والقدمين ثم جاءت تسأل فهل نأمرها بالإعادة أو لا؟ لا نأمرها؛ لأن الأظهر في الدليل عدم ستر الكفين والقدمين, يعني: هناك شيء يكون على سبيل الاحتياط يؤمر به الإنسان قبل فعله, أما بعد أن يفعل فما وجب على سبيل الاحتياط لا يمكن أن يقوى على إبطال العبادة.
ومن فوائد هذا الحديث: التفريق بين الصغيرة والبالغة؛ لأن قوله: «حائض» وصف مؤثر, مفهومه: أن غير الحائض تصلي بدون خمار, فالمرأة التي لم تبلغ ولو بلغت إحدى عشرة سنة, أو اثنتي عشرة سنة, أو ثلاث عشرة, أو أربع عشرة سنة ولو تبلغ, عورتها في الصلاة ما بين السرة والركبة كما قال الفقهاء - رحمهم الله -, بمعنى: أنها لو صلت وقد انكشفت ذراعها, أو عضدها, أو رقبتها, أو ساقها فصلاتها صحيحة؛ لأنها لم تكن بالغة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الحيض يحصل به البلوغ, وجه ذلك: تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين الحائض وغير الحائض, فلولا أن هناك تمييزًا بينهما بأن تكون الحائض مكلفة, ومن لم تحض غير مكلفة لكان تعليق الحكم بهذا الوصف عديم التأثير.
فإن قال قائل: وهل يحكم ببلوغ الأنثى بالنفاس؟
فالجواب: لا, وهذا مما يفرق فيه بن الحيض والنفاس؛ لأن حملها لا يكون إلا بإنزال,