* تكملة الفوائد:
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: أنه لا يجب الاستنجاء من الريح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر إلا بالوضوء.
فإن قال قائل: من لازم الوضوء الاستنجاء؟
قلنا: لا, ليس من لازمه الاستنجاء, بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المذي: «يغسل ذكره ويتوضأ».
فإن قال قائل: هل يقاس على هذا بقية شروط الصلاة, وأنها إذا فقدت وهو يصلي وجب عليه أن ينصرف مثل أن تطير الريح في ثوبه فيبقى عاريًا؛ فهل يلزمه أن يخرج من الصلاة ويلبس الثوب؟
الجواب: نعم, إذ لا فرق, فلو فقد شرط من شروط الصلاة في أثناء الصلاة وجب على المصلي أن يصرف ليأتي بهذا الشرط.
١٩٨ - وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار». رواه الخمسة إلا النسائي, وصححه ابن خزيمة.
«لا يقبل الله» نفي القبول تارة يراد به: رد العبارة المستلزم لعدم صحتها ووجوب إعادتها, وتارة يرادبه: أنها لا تقبل؛ بمعنى: أن السيئة التي في هذه العبادة تربو على المفسدة, أو السيئة التي خارج العبادة تربوا على مصلحة الصلاة فلا تقبل, وهذا لا يستلزم الفساد, والأصل أن نفي القبول يعني رد العبادة, فإذا وجد دليل يدل على أنها تقبل مع هذا الذي انتفى القبول من أجله صار معنى ذلك: أن السيئة التي منعت القبول تكون محيطة بهذه الحسنة.
مثال الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ». معنى نفي القبول هنا: الرد, وأن العبادة لا تجزؤه, وعليه أن يعيدها.
ومثال الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافًا فسأله؛ لم يقبل له صلاة أربعين يومًا». فنفي القبل هنا لا يعني الرد؛ لكن يعني أن ذهابه إلى العراف وسؤاله إياه سيئة تحيط بحسنة, هذه العبادة وإن كانت هي صحيحة غير مردودة, ولهذا لا نقول لهذا الرجل: يجب أن تعيد الصلاة بعد مضي أربعين يومًا.
وقوله: «حائض» أي: متصفة بالحيض, يعني: قد حاضت, وليس المراد أنها متلبسة بالحيض؛ لأن الحائض لا تصح منها الصلاة مطلقًا, لكن المراد: أنها بلغت بالحيض.