للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأيام في خطبة الجمعة، وما واظب عليه فهو دليل على أنه واجب؛ لأنه كالتفسير لقوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} [الجمعة: ٩]. ولكن جمهور أهل العلم على أن الخطبة قائمًا أفضل وليست بواجب، وأنه لو خطب جالسًا جاز وأجزأت الخطبة؛ لأن المقصود يحصل بذلك ولو كان قاعدًا وهذا مذهب جمهور أهل العلم.

وقوله: "كان يخطب" سبق لنا أن "كان" تفيد الاستمرار غالبًا، وقوله: "قائمًا" هذه حال من الفاعل "يخطب" وليست خبر كان، خبر كان جملة: "يخطب".

"يجلس ثم يقوم فيخطب قائمًا فمن أنبأك أنه كان يخطب جالسًا فقد كذب"، يجلس أي: الجلوس الأول عند الأذان والجلوس الثاني بين الخطبتين، "ثم يقوم فيخطب" وقوله: "فمن أنبأك" يعني: أخبرك، يقال: نبأ، وأنبأ وأخبر معناهما واحد، وقيل: إن الإنباء أعظم يكون في الأمور التي هي أهم يقال: نبأ، ولكن الصحيح أنه لا فرق بينهما، وقوله: "أنه كان يخطب جالسًا فقد كذب" يعني: أخبر بخلاف الواقع.

يستفاد من هذا الحديث: أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- كان يخطب قائمًا ويجلس قبل الخطبة وبين الخطبتين.

ويستفاد منه: أن الأفضل أن يخطب الإنسان قائمًا في الجمعة، وقيل: إنه واجب لا يجوز أن يخطب جالسًا، ولكن لدينا قاعدة أن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب إلا بقرينة، وليس هناك قرينة تدل على الوجوب فيحمل على أنه الأفضل والأكمل.

ويستفاد من هذا الحديث: أن بعض الناس كان يدعي في عصر الصحابة أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- كان يخطب جالسًا، من أين يؤخذ؟ من قوله: "فمن أنباك"، فإن هذا يدل على أن هناك من يقول: إنه كان يخطب جالسًا.

ومنها: تغليظ القول لمن قال بخلاف الحق، من أين تؤخذ؟ من قوله: "فقد كذب"، فهذه كلمة خشنة وعظيمة لكن يستحقها من كذب، ثم إن الكاذب قد يلام على كذبه وقد لا يلام، إن كان قال قولًا يظن أنه الصواب وليس هو الصواب فهو كاذب، لكنه غير آثم، وإن قاله متعمدًا فهو كاذب آثم، ويقال للأول: مخطئ، وللثاني خاطئ، أي: واقع في الخطأ عن عمد.

[صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم]

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومسَّاكم، ويقول: أما بعد، فإن خير

<<  <  ج: ص:  >  >>