ومناسبة هذا الباب لكتاب الجهاد عمومًا أن من أنواع السبَّق ما يكون معينًا على الجهاد كما سيأتي، والسَّبق والسبَّق بينهما فرق: السَّبق: العوض، والسَّبْق: فوات من أراد إدراكه، يعني أن يسبق، يتقدم على غيره، فالتقدم على الغير هو السَّبْق، وأما السبَّق بالفتح فهو العوض وأما الرمي فواضح.
١٢٦٤ - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"سابق النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بالخيل التي قد ضمِّرت، من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل الَّتي لم تضمر من الثَّنية إلى مسجد بني زريق، وكان ابن عمر فيمن سابق". متفق عليه، وزاد البخاريُّ: قال سفيان: "من الحفياء إلى ثنيَّة الوداع خمسة أميال أو ستَّة، ومن الثَّنية إلى مسجد بني زريق ميل". متفق عليه.
هذه أماكن معروفة في المدينة، وأما الخيل الَّتى ضمِّرت فهي الَّتي تجاع، يعني: تمنع من العلف ولا تعطى إلا قدر ما يسد رمقها لمدة معينة، فتضمر ويخف لحمها، ويكون عندها من القوة أكثر مما إذا لم تضمر ثمَّ بعد ذلك تستعمل في المسابقة، وأما الَّتي لم تضمر فهي الَّتي بقيت تأكل على ما تريد ولا يخف لحمها ولا يكون فيها سبق، ولذلك فرق النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بين هذا وهذا وسابق بين الخيل الَّتي لم تضمر من الثنية إلى بني رزيق، وكان ابن عمر فيمن سابق.
ففي هذا الحديث: حسن رعاية النَّبيّ صلى الله عليه وسلم حيث أجرى المسابقة على الخيل لما في ذلك من الاعتياد على ركوبها في الجهاد، وفي هذا مراعاة للإنسان وللخيل جميعًا، للإنسان الراكب وللخيل المركوبة.
ومن فوائده: أن تضمير الخيل وإن كان يلحقها شيء من المشقة بالتجويع فإن ذلك للمصلحة، فيؤخذ منه: أنه إذا اقتضت المصلحة أن نعمل في الحيوان ما يؤلمه فإنه لا بأس سواء كانت المصلحة دينية أو المصلحة دنيوية، فمثال الدينية هنا: تضمير الخيل، ومثالها أيضاً: إشعار الهدي، أتدرون ما إشعاره؟ أن يشق سنامه حتَّى يسيل الدم، وهذا لاشك أنه يؤلمه لكن لمصلحة وهي: العلامة على أنه هدي ومن ذلك أيضًا وسم إبل الصدقة فإن ذلك يؤلمها لاشك ولكن لمصلحة وهو: حفظ مال الصدقة، وأما الدنيوية فمثل: وسم الحيوان لمن أراد أن يبيع ويشتري فيه فإن هذه مصلحة دنيوية ولا بأس بها، ومن ذلك أيضًا ما يفعله الناس اليوم من تقطيع آذان بعض الغنم يزعمون بأن ذلك يقلل من إيذائها بتدلي آذانها بالشرب وعند الأكل