"لم"، وعلى هذا فتكون الجملة في محل جزم جواب الشرط، "وإن ريحها" أي: الجنة "ليوجد من مسيرة أربعين عامًا"، ريح الجنة أشجارها ورياحينها وكل ما فيها يوجد من مسيرة أربعين عامًا وفي رواية أخرى يأتي الإشارة إليها إن شاء الله.
قوله:"من قتل معاهدًا" المعاهد هو من عقدنا معه عهدًا، وهو ثلاثة أنواع: مستأمن، وذمِّمي، ومعاهد.
المستأمن: هو الَّذي دخل بلادنا بأمان لمصلحة إما ليسمع كلام الله وإما ليحضر مجالس العلم، وإما ليبيع أو يشتري، وإما ليعمل، وإن كان أصله حربيًا فإنه إذا أمن بالدخول صار آمنًا.
أما المعاهد: فهو الّذي جرى بيننا وبينهم عهد كما جرى للنبى صلى الله عليه وسلم مع قريش.
وأما الذمي: فهو الَّي يبقي في بلادنا تحت حمايتنا ويبذل لنا الجزية كل عام، وكلها تدخل في المعاهدة، لكن تختلف المعاهدة وأحكامها بين هؤلاء.
ففي هذا الحديث دليل على فوائد: أولًا: وجوب الوفاء بالعهد، وجهه أنه رتب على من غدر بالعهد حرمانه من دخول الجنة وهذا يقتضى أنه من كبائر الذنوب.
ثانيًا من فوائد: أن ما يصنعه بعض الناس اليوم من قتل الداخلين إلى البلاد بعهد وأمان يدخل في هذا الحديث، ما دام من له السلطة قد أذن له أذن له في دخول البلاد وأعطاه عهدًا فإنه لا يحل لأحد أني قتله، فإن فعل حق عليه هذا الوعيد.
ومن فوائد الحديث: إثبات أن للجنة رائحة، وهذا أمر معلوم، قال الله تعالى: } فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنات نعيم {[الواقعة: ٨٨، ٨٩].
ومن فوائد الحديث: أن ريح الجنة يوجد من مسافات بعيدة ورد: "أربعين عامًا" وورد: "سبعين عامًا"، وورد غير ذلك، فاختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث والجمع بينها سهل، فإما أن يقال: إن اختلاف هذه التقادير باعتبار اختلاف الشم، وإما أن يقال باعتبار اختلاف المشام لأن بعض الناس يشم شمًّا قويًّا وبعضهم دون ذلك، وإما أن يقال باعتبار المشمون، فإن بعض المشمومات لها رائحة تشم من بعيد وبعضها دون ذلك، المهم: أن القاعدة أنه ليس فيما أخبر الله به ورسوله شيء من التناقض وإذا تراءى لك شيء من التناقض فالواجب عليك أن تحاول الجمع بين النصوص، لأن نصوص الكتاب والسنة لا يمكن أن يكذب بعضها بعضًا، وبهذا الحديث انتهى باب الجزية والهدنة، ثمَّ قال المؤلف: