٩٠٤ - وعن المقدام بن معد يكرب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ألا لا يحل ذو ناب من السباع، ولا الحمار الأهلي، ولا اللقطة من مال معاهد، إلا أن يستغني عنها». رواه أبو داود.
لماذا كانت معد يكرب مع أنها مضاف إليها؟ لأنها اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف: العلمية والتركيب المزجي.
«ألا» أداة استفهام، لها فائدتان: التنبيه والتوكيد، واعلم أن كل حرف جر زائد فإنه يفيد التوكيد في أي مكان في أول الجملة أو في وسطها أو في آخرها، كنون التوكيد، فإن كان في أول الجملة فأضف إليه إفادة التنبيه؛ لأن التنبيه يكون في أول الكلام، وهذه قاعدة مفيدة في البلاغة.
«ألا لا يحل ذو» أي: صاحب «ناب من السباع» الناب هو السن فيما وراء الرباعية، والمراد بالناب هنا ليس مجرد الناب إنما المراد به: الناب الذي يفترس به، وقوله: ومن السباع، وصف آخر فإذا كان هناك سبع وله ناب فإنه لا يحل أكله مثل الذئب والكلب والنمر والأسد لا يحل أكلها، لماذا؟ لأن الإنسان يتأثر فيما يتغذى به، فإذا تغذى بلحم هذا النوع من الحيوان اكتسب من طباعه فيكون محبًا للعُدوان، ولهذا قال العلماء: يكره للإنسان أن يسترضع لابنه امرأة حمقاء؛ لأن ابنه يكون أحمق، إذن الألبان المجففة التي ترد الآن للأطفال باعتبار أن الطفل هل يكتسب من طباع الغنم إذا كان اللبن من غنم حتى لو اكتسب فطباعها هادئة.
على كل حال: إنما نهى عن أكلها لأن الجسم إذا تغذى قد يكتسب من طبيعة أصلها، وهي العدوان فيحب الاعتداء.
نعود للحديث:«ألا لا يحل» ألا أداة استفتاح وتفيل التنبيه وزيادة العناية، فهي أداة استفتاح لأنه يفتتح بها الكلام، وتفيد التنبيه لأنها بمنزلة المفتاح للسمع، وتفيد الاعتناء لأنه أوتي بما يقتضي، وكل شيء يُؤتى به للتنبيه، فهو دليل على أن الموضوع مهم، وقوله:«لا يحل ذو ناب» أي: صاحب ناب، والناب هو ما بعد الرباعية من الأسنان ينهش به الحيوان اللحم وغيره.
وقوله:«من السباع»، أي: السباع الضارية، والمراد بذلك: أن الحيوان المفترس، وعليه فلا يحل مثل السبع والذئب والكلب، والحكمة في هذا أن الإنسان إذا تغذى بهذا اللحم فربما