فقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا وتران في ليلة"، يعني: ولا ثلاثة؛ لأن نفي الاثنين يقتضي نفي الثلاثة، علي أن المثني أحيانًا يراد به مطلق التكرار وإن زاد علي الاثنين كما في قول الملبي:"لبيك اللهم لبيك"، فإن هذا صورته صورة المثني، ومعناه: العدد الكثير وكما في قوله تعالي: {ثم أرجع البصر كرتين}[الملك: ٤]، يعني: لو رجعت البصر كرات كثيرة لرجع إليك البصر خاسئًا وهو حسير، وبذلك نعرف ضعف قول من يقول: إن الإنسان إذا أوتر في أول الليل ظنًا منه أنه لا يقوم ثم قام في آخره أنه يصلي أول ما يصلي ركعة؛ لينتقض بها الوتر الأول ثم يصلي ركعتين ركعتين، ويختم صلاته بوتر، وهذا ضعيف، بل نقول لمن أوتر في أول الليل ظنًا منه أنه لا يقوم، ثم قام: صل ركعتين ركعتين؛ "صلاة الليل مثني مثني"، وأما الوتر السابق فهو علي ما هو عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" ولم يقل: لا تصلوا بعد الوتر، وقد سبق لنا الفرق بين العبارتين.
[ما يقرأ في الوتر]
٣٦٥ - وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى}[الأعلى: ١]، و:{قل يأيها الكافرون}[الكافرون]. و:{قل هو الله أحد}[الإخلاص] ". رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. وزاد:"ولا يسلم إلا في آخرهن".
٣٦٦ - ولأبي داود، والترمذي نحوه عن عائشة رضي الله عنها وفيه:"كل سورة في ركعة، وفي الأخيرة:{قل هو الله أحد}[الإخلاص]. والمعوذتين".
هذه الأحاديث فيها بيان ما يقرأ في الوتر، والوتر كغيره من الصلوات لا يجب فيه إلا قراءة الفاتحة، هي التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وما سوي ذلك فهو سنة، لكن ما ورد معينًا فالأفضل أن يقرأ به الإنسان، وما كان مطلقًا فإن الإنسان يقرأ بما يشاء، مما ورد معينًا، إذا أوتر الإنسان بثلاث فإنه يقرأ في الركعة الأولي:{سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية:{قل يأيها الكافرون}، وفي الثالثة:{قل هو الله أحد}، والإيتار بهذه السور الثلاث ظاهر؛ لأن في قوله تعالي: {سبح اسم ربك الأعلى (١) الذي خلق فسوي (٢)} [الأعلى: ١ - ٢] ... إلخ، فيها ذكر ابتداء الخلق وتقدير الله عز وجل له والإخبار بأن من تزكي فهو مفلح، وفيه أيضًا الحث علي الرغبة في الآخرة، والزهد في الدنيا.
وأما قوله:{قل يأيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} ففيهما الإخلاص؛ ففي {قل يأيها الكافرون} الإخلاص بالقصد والإرادة، بل والعمل أيضًا، وفي {قل هو الله