ففي هذا الحديث من الفوائد: الإشارة إلى أن الناس فيما سبق كانوا يقضون حوائجهم في الأماكن البرية أو الداخلية في البلد، لكن بشرط أن تكون منخفضة مطمئنة.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الاستتار على من أتى الغائط؛ لأن هذا ظاهر الأمر، لكن القواعد تقتضي أنه يختلف، فالاستتار بحيث لا ترى العورة واجب، والاستتار فيما زاد على ذلك سنة.
[الدعاء بعد قضاء الحاجة]
٩٢ - وعنها رضي الله عنها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الغائط قال: غفرانك". أخرجه الخمسة، وصححه أبو حاتم والحاكم.
قولها:"كان إذا خرج" يعني: إذا خرج بالفعل، يقول عند خروجه:"غفرانك"، وغفران مصدر غفر، فرجحان مصدر رجح، والشكران مصدر شكر، وهو منصوب بعامل محذوف تقديره:
أسألك غفرانك، وإنما كان يدعو بهذا الدعاء قيل: لأنه في حال قضاء الحاجة لا يذكر الله فاستغفر من أجل أنه امتنع عن ذكر الله في هذه الحال، فكأنه أضاع وقتا من عمره الثمين فاستغفر الله لذلك، وفي هذا التعليل نظر؛ لأنه إذا لم يذكر الله في هذا المكان فهو ممتثل متبع؛ ولهذا لا نقول للحائض إذا طهرت واستغفرت وصلت: استغفري الله؛ لأن امتناعها عن الصلاة بأمر الله عز وجل وقال بعض العلماء: إن سؤال المغفرة هنا له مناسبة وهو أن الإنسان لما تخلى من المؤذي الحسي تذكر المؤذي المعنوي، وهي الذنوب، فإن حمل الذنوب أشد من حمل الغائط والبول فنذكر عندئذ الذنوب فسأل الله أن يغفر له، وهذا هو الصحيح.
فيستفاد من هذا الحديث: أن الإنسان إذا خرج من الخلاء أو من الغائط فليقل: "غفرانك" اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: ما هي المغفرة التي يسألها الإنسان دائما؟
قلنا: المغفرة هي ستر الذنب، والتجاوز عنه، وإنما وصفناها بهذين الوصفين الستر والتجاوز؛ لأن الاشتقاق يدل على هذا، فهي مشتقة من المغفر الذي يغطى به الرأس عند القتال، وهذا المغفر يفيد الرأس فائدتين:
الفائدة الأولى: الستر. والفائدة الثانية: الوقاية؛ ولهذا لا يصح أن نقول: المغفرة هي ستر الذنب، بل لابد أن نقول: هي ستر الذنب والتجاوز عنه، ويدل لهذا المعنى أن الله - سبحانه وتعالى-