المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: ٩، ١٠]. وهذا صريح فسمى الله تعالى الطائفتين المقتتلتين إخوة للطائفة التي تصلح بينهما فدل هذا على أن القتال كفر لا يخرج عن الملة، ولهذا لم يقل: قتاله كفر قال: كفر أي: من خصال كفر؛ لأنه لا يمكن أن يحمل السلاح على المسلم إلا من كان كافراً.
فإن قال قائل: فما تقولون في قتله؟
قلنا: كذلك القتل أشد من القتال ومع ذلك لا يخرج به الإنسان من الإيمان، لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عُفي له من أخيه شيء}[البقرة: ١٧٨]. فجعل الله المقتول أخاً للقاتل وهذا يدل على أنه لا يخرج بذلك من الإيمان، ذكرنا الآن أن القتل أشد من القتال، وأن القتال أهون، لأن القتال يجوز فيما لا يجوز فيه القتل، ذكر العلماء -رحمهم الله- أنه لو اتفق أهل بلد على ترك الأذان أو على ترك صلاة العيد فإنهم يقاتلون ولكنهم لا يقتلون، ولو امتنعوا عن الزكاة فإنهم يقاتلون ولكن لا يقتلون، ولو بغوا على الإمام وخرجوا عليه فإنهم يقاتلون ولكن لا يقتلون، بمعنى: أننا نقاتلهم حتى نكف شرهم ولكن لا نقتلهم، الكفار إذا قتلناهم ثم صارت لنا الغلبة عليهم فلنا أن نقتل مقاتلتهم لكن هؤلاء الذين يقاتلون من المسلمين لا يجوز أن نقتلهم إذا قدرنا عليهم، بل ولا يجوز أن نلحق من ولى منهم وأدبر، ولا يجوز أن نجهز على جريحهم؛ لأنهم معصومون وقتالنا إياهم قتال مدافعة ليس قتالاً نريد منهم شيئاً آخر سوى المدافعة.
ومن فوائد الحديث: تحريم سب المسلم وتحريم قتاله، والقتال أعظم، إذا كان كذلك فإن الفائدة المنهجية في هذا الحديث أن يتجنب بعضنا سب بعض سواء كانت المقابلة وجهاً لوجه، وهذا سب، أو في غيبته وهذا غيبة فكلاهما حرام كبيرة من كبائر الذنوب، وإذا كان كذلك فإنه لا يحل لنا أن يسب بعضنا بعضاً لا في مقابلة ولا في غيبة، ولاسيما إذا كانوا طلبة علم، فإن الواجب على أهل العلم في هذه الأمور أكثر من الواجب على غيرهم، وإذا كنا نقول لعامة الناس: إن الغيبة من كبائر الذنوب فإننا نقول لطلبة العلم الذين يغتاب بعضهم بعضاً: إنها من كبائر الذنوب وزيادة.
[التحذير من سوء الظن]
١٤٢٧ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث". متفق عليه.