للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إياكم والظن": هذا من باب التحذير، والظن: هو اعتقاد شيء ليس له أصل، أن تظن في نفسك شيئاً لا أصل له وهو حديث النفس، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الظن أكذب الحديث" وظاهر الحديث العموم أنه يجب علينا أن نحذر الظن، لكن الآية الكريمة بينت أنه لا يجب علينا أن نحذر جميع الظن حيث قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم} [الحجرات: ١٢]. وعلى هذا فتكون هذا الآية مقيدة الحديث بأن المراد: الظن الذي يكون إثماً، أما الظن الذي ليس بإثم فلا يجب علينا أن نتجنبه، والظن الذي ليس بإثم وهو أن نقوي القرينة جداً جداً حتى كأن الإنسان يشاهد الشيء ويتيقنه، فهذا لا يحرم لأن هذا أمر يفرضه الواقع، الأمر الذي يفرضه الواقع يشق التحرز منه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

ومن فوائد الحديث: التحذير من الظن والمراد: الظن الذي ليس عليه قرائن فأما ما عليه قرائن فإنه لا يحرم، ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: يحرم ظن السوء في مسلم ظاهره العدالة قيدوا ذلك أما إذا كان ظاهره خلاف العدالة فلا بأس أن تظن به ما يليق بحاله.

ومن فوائد الحديث: أن حديث النفس يطلق عليه الحديث لقوله: "فإن الظن أكذب الحديث" وهو كذلك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" وهذا الحديث من أعظم الحديث -الذي سقته الآن- استشهاداً لحديث الباب، ما أكثر الأحاديث التي تحدثنا به أنفسنا فيما يتعلق بالله أو يتعلق بعباد الله أو يتعلق بخاصة النفس! أحاديث كثيرة لكنها-والحمد لله- لا أثر لها لأنها مما عفي عنه، يأتي الشيطان إلى بني آدم ويحدثهم في ذات الله عز وجل بما لا يليق بالله فهل يأثم؟

لا يأثم ما لم يركن إلى هذا الحديث ويصدق به، فإن ركن إليه وصدق به حكم عليه بما يقتضيه ذلك، وأما إذا كان مجرد طارئ على النفس ولكنه دافعه أو أعرض عنه فإنه لا (يأثم به).

ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه لما ذكر الحكم، ذكر العلة. ذكر العلة يقتضي تنشيط النفس على قبول الحكم، لأن الإنسان يطمئن إلى ما يعرف علته أكثر مما يطمئن إلى ما لا يعرف علته، وإن كان تمام العبودية لا يكون إلا إذا استسلم الإنسان لما يعلم علته وما لا يعلمه، لكن لا شك أنه إذا ذكرت العلة، ازداد الإنسان طمأنينة ولا حرج على الإنسان أن يزداد طمأنينة فيما يكون فيه ذلك فها هو إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- قال لله تعالى: {رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: ٢٦٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>