ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى قاعدة عظيمة عند العلماء وهي: أنه إذا وجد مفسدة ومصلحة يغلب أقوامها، فإن تساويًا غلب دفع المفسدة، ولهذا نقول: العبارة المشهورة "درء المفاسد أولى من جلب المصالح" ليست على إطلاقها، إنما هذا مع تساوي الأمرين، وأما مع ترجح المصلحة فإن المفسدة تنغمر فيها، فهنا لا شك أن قطع النخيل وإحراقها مفسدة، لكن يتحقق به مصلحة أعظم فإذا وجد في فعل من الأفعال مصلحة ومفسدة وكانت المصلحة أرجح أخذنا بالمصلحة، أما مع التساوي فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح لأنه لو لم يكن به إلا السلامة لكان ذلك مرجحًا.
فإن قال قائل: وهل يلحق بذلك هم القصور والبيوت؟
قلنا: نعم، يلحق بذلك قال الله تعالى:{يخربون بيوتهم} وفي قراءة {يخربون بيوتهم بأيدهم وأيدي المؤمنين} فدل ذلك على جواز هدم بيوت الكفار.
فإن قيل: ألا يمكن أن يخرج هؤلاء عن ديارهم وعن حيطانهم وتبقى مصلحتها للمسلمين؟
قلنا: بلى يمكن هذا، لكن إذلال هؤلاء الكفار من ذلك والمسلمون إذا غنموا الأرض أمكنهم أن يعيدوا ما كان فيها من بناء، وما كان فيها من غراس.
[النهي عن الغلول]
١٢٢٨ - وعن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا تغلوا؛ فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة"، رواه أحمد، والنسائي، وصححه ابن حبان.
"لا تغلو""لا" ناهيه، ولهذا جزم الفعل بعدها بحذف النون و "الغلول": أن يكتم الغنام شيئًا مما غنم، وقوله:"فإن الغلول نار وعار ... الخ" أما كونه نارًا في الآخرة فظاهر ولكن كيف يكون نارًا في الدنيا؟ .
يمكن أن يقال: إن قوله: "في الدنيا والآخرة" متعلق بقوله عار لا نار، وأنه نار على أصحابه في الآخرة وعار عليهم في الدنيا والآخرة لأنه خزي ونشر لغلوله، فإن الغال يأتي يوم القيامة وهو يحمل على عنقه ما غله من حيوان أو متاع.