العادة مثلًا أخذت الدلال وأباريق الشاي وأشياء أخرى تصدَّقت بها، والسكر والشاي وجاء الزوج لم يجد في البيت شيئًا فهذا لا يصلح، أو نقول: داخل في قوله: "غير مفسدة"؛ لأن هذا في الحقيقة- وإن كان ليس إفسادًا- فهذه الأشياء وجهت توجيهًا سليمًا أعطيت للفقراء والأقارب وما أشبه ذلك، لكن في الواقع هي من حيث البيت مفسدة لا شك.
إذن نقول: لا بد أن يكون مما أذن فيه عرفًا وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون الزوج بخيلًا لا يرضى بأن تبذل شيئا أو غير بخيل، ولكن هل هو مراد؟ الظاهر: أنه غير مراد، لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا برضاه كما قال تعالى:{لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكونوا تجارة عن تراض منكم}[النساء: ٢٩]. فلابد من الرضا، فإذا علمت أن الزوج بخيل لا يرضى أن تتصدِّق ولو بتمرة فلا تتصدق.
وهنا مسالة تشكل على بعض الناس وهي: أن يأتي الزوج أحيانًا بحاجة للبيت كثيرة لكنها تفسد إذا تأخر أكلها فتقول: الآن أنا بين أمرين إما أن أتصدِّق بها- أي: بالزائدة-، وإما أن يبقى ويفسد، وزوجي يقول: لا تتصدقي بشيء، فما الجواب؟ لا يجوز أن تتصدق، ولكن ما تقولون: إنها إذا تصدقت بالذي سيفسد، ثم عوضته من مالها الخاص فيجوز ذلك، وهذا لا شك إصلاح {والله يعلم المفسد من المصلح}[البقرة: ٢٢٠]. أما عمل زوجها الأول فهذا ليس بصواب، وكان عليها أن تقنعه بقدر ما تستطيع أن ذلك لا يجوز، فيجوز من الحديث قاعدة "تصرف الفضولي"، وهو الذي يتصرف في مال موكله بغير إذنه، والعلماء اختلفوا في ذلك هل ينفذ التصرف أو لا ينفذ؟ والصحيح أنه ينفذ بالإجازة إلا ما يحتاج إلى نية مثل الزكاة، فهذا قد يقال: لا ينفذ، لاشتراط النية، وقد يقال أيضًا: إنه ينفذ؛ لأنه إذا أذن له فقد أقامه مقامه.
[جواز تصدق المرأة على زوجها]
٦٠٧ - وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال:"جاءت زينب امرأة ابن مسعودٍ، فقالت: يا رسول الله، إنَّك أمرت اليوم بالصَّدقة، وكان عندي حليٌّ لي، فأردت أن أتصدَّق بها، فزعم ابن مسعودٍ أنه وولده أحق من تصدَّقت به عليهم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحقُّ من تصدقت به عليهم. رواه البخاريُّ.
هذا الحديث فيه قصة وهي واضحة بينة، فقولها: "إنك أمرت اليوم بالصدقة"، تقدم لنا أن الأمر هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء.
وقولها: "بالصدقة" تحتمل أن تكون الصدقة الواجبة، وتحتمل أن تكون صدقة التطوع،