وقوله:"من طعام بيتها" هذا الإمكان يمنعه ما في آخر الحديث، وهو قوله:"ولزوجها" وعلى هذا فيكون المراد بالمرأة بناء على القرينة في آخر الحديث: الزوج.
وقوله:"من طعام بيتها" الإضافة هنا إليها على سبيل التملك، أو الاختصاص؟ الثاني، وأن البيت ملك لزوجها، وليس لها.
وقوله صلى الله عليه وسلم:"غير مفسدة" هذه حال من المرأة؛ يعني: أنفقت حال كونها غير مفسدة؛ يعني: لا تريد إلا الإصلاح، لا تريد إفساد المال وتبذيره على غير وجه مشروع، بل هي تنفق على فقير، على قريب وما أشبه ذلك. المهم: أنها غير مفسدة، وهذا شرط أساسي في كل ما يطلب به الأجر، فكل ما يطلب به الأجر إذا كان مقترن به الفساد فإن الله تعالى لا يرضاه لأن الله يقول:{والله لا يحب الفساد}[البقرة: ٢٠٥]. {والله لا يحب المفسدين}[المائدة: ٦٤].
وقوله:"كان لها أجرها بما أنفقت"، الباء هنا للسببية، أي: أجر إنفاقها وإعطائها، والثاني قال:"ولزوجها أجره بما اكتسب" الباء أيضًا هنا للسببية؛ لأن الزوج هو الذي اكتسب المال وأحضره إلى البيت، وهى التي أنفقت وتبرعت فلها أجر الإنفاق ولزوجها أجر الاكتساب، وهنا الجهة واحدة أو مختلفة؟ الطعام واحد، لكن الجهة مختلفة؛ لأن هذا اكتساب وذالك إنفاق، قال:"وللخازن" وهو بمعني: الخادم؛ لأن الذي يخزن الطعام ويضعه في مكانه هو خادم.
يقول:"وللخازن مثل ذلك" أي: مثل أجورهم، لكن له أجر الخزانة، لأنه لا اكتسب المال ولا أنفقه، لكن قائم على حفظه فله أجر الحفظ، وهذه- كما ترون- الأجور مختلفة الأسباب.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئًا"، وهذا من نعمة الله عز وجل لا يقال للخادم: أجرك ينقص؛ لأن المال من غيرك، ولا يقال للمرأة: أيضًا أجرك ينقص؛ لأن المال من غيرك، فإذا كان الزوج قد أمر بذلك فله أجر، الأمر أيضًا مع أجر الاكتساب؛ لأن الأجور إنما تصدر من الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى- حكم عدل يعطي الإنسان أجره بقدر عمله مع الفضل في الحسنات لكن ما يعطي أحدًا حسنات غيره وإنما يعطي كل إنسان حسناته ويأجره بقدر أجره، هذا الحديث- كما ترون- فيه ثلاثة كلهم أجروا بقدر أعمالهم، وهذا هو حقيقة العمل.
فيستفاد منه عدة أمور أولًا جواز إنفاق المرأة من طعام البيت بشرط أن تكون غير مفسدة.
ثانيًا: أن لها أجرا في ذلك.
ثالثًا: ظاهر الحديث أن هذا ثابت وإن لم يأذن زوجها بذلك، ولكن يشترط أن يكون هذا داخلًا فيما يقتضيه العرّف أي: فيما جرت به العادة؛ لأن ما جرت به العادة مأذون فيه غرفًا، والقاعدة الشرعية أن ما أذن فيه عرفًا فهو كالذي أذن فيه نطقًا، فإن تصدَّقت بأكثر مما جرت به