٨٢٣ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذين يركب ويشرب النفقة». رواه البخاري.
قوله:"الظهر" المراد به: ظهر الحيوان الذي يركب مثل البعير والحمار والبغل والخيل هذه تركب، "يركب الظهر بنفقته إذا كان مرهونا"، "بنفقته" الباء هنا للعوض يعني: بمقدار نفقته، وقوله:"يركب" الفعل هنا مبني للمجهول، فمن الراكب؟ الراكب: المرتهن، وقوله:"بنفقته" قلنا: إن الباء للعوض؛ يعني: يركب ركوبا بقدر النفقة وهي المؤونة من علق وسقي ورعاية، وقوله:"إذا كان مرهونا" سبق لنا معنى الرهن وهو لغة: الحبس، واصطلاحا: توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه أو بعضه منها أو من بعضها، وسبق أيضا الخلاف هل يجوز رهن دين بدين، وهل يجوز الرهن بالعين؟
يقول:"ولبن الدر يشرب بنفقته" من يشربه؟ المرتهن، "لبن الدر" يعني: لبن البهيمة المرهونة، وسمي "لبن در"؛ لأنه يدر كلما حلب در مثل لبن البعير، لبن البقرة، لبن الشاة، لبن الفرس، "يشرب بنفقته" يعني: بقدر النفقة، "إذا كان مرهونا"، "وعلى الذي يركب" وهو المرتهن، "ويشرب" وهو المرتهن أيضا عليه النفقة، "النفقة" هنا مبتدأ مؤخر.
في هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم خبرا يرد به الحكم، أن المرتهن إذا ارتهن شيئا يركب فله ركوبه، لكن بقدر النفقة، وإذا ارتهن شيئا ذا لبن فله شرب لبنه، لكن بقدر نفقته.
فيستفاد منه فوائد: الفائدة الأولى" جواز رهن الحيوان، وجهه: قوله: "بنفقته"، و"لبن الدر بنفقته"، أما قوله: "يركب" فليس فيه دليل على رهن الحيوان؛ لأن من المركوب ما ليس بحيوان.
ومن فوائد الحديث أيضا: أن المرتهن يقبض المرهون؛ لقوله: "يركب"، و"يشرب" والآكل والشارب هو المرتهن، إذا فالمرتهن يقبض المرهون، ولا شك أن قبضه أشد توثقة مما لو لم يقبضه، ولكن هل القبض شرط للزوم أو شرط لكمال التوثقة؟
يرى بعض العلماء: أنه شرط للزوم، وأنك إذا رهنت شيئا ولم تسلمه للمرتهن فلك الرجوع في الرهن؛ لأن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، وعلى هذا فإذا رهنتك السيارة وهي بيدي فالرهن غير لازم، لي أن أبيعها وأتصرف فيها كما شئت؛ لأن قائل هذا القول يرى أن الرهن إذا لم يقبضه المرتهن فله أن يفسخه، واستدلوا لذلك بقوله تعالى:{وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}[البقرة: ٢٨٣]. واستدلوا أيضا بهذا الحديث.