للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا بعد سنين، وقد لا يوسر أبدا، فكيف صح هذا الشرط وهو مجهول، وقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغدر، فالجواب على ذلك: أن هذا شرط هو مقتضى العقد فهو ثابت سواء شرط أم لم يشرط، إذا علم العاقد الآخر بحال العاقد المعسر كيف ذلك؛ لأن مقتضى العقد إذا كان العاقد فقيراً ألا يطالب حتى يوسر لقول الله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: ٢٨٠].

فإذا بعت على شخص شيئا وأنت تعلم أنه معسر فمن المعلوم أنك لا تطالبه إلا بعد إيساره، فيكون هذا الشرط توكيدا لما يقتضيه العقد، بمعنى: حتى لو لم يشترط فهو مقتضى العقد، فإن العقد مع الفقير يستلزم ألا يطالبه العاقد إلا بإيساره؛ بمعنى: حتى يوسر، وعلى هذا فيكون هذا الشرط توكيدا لا تأسيا ولذلك صح، بخلاف ما لو قلت: اشتريت منك هذين الثوبين إلى أجل، إلى أن يقدم زيد، وليس لزيد وقت معلوم في قدومه، فههنا لا يصح هذا الشرط، لماذا؟ لأنه مجهول وليس مقتضى العقد، بخلاف ما إذا قلت: بعد علي مؤجلا بإيسار الله علي، فإن هذا الشرط صحيح، لأنه مقتضى العقد.

ومن فوائد الحديث: جواز الامتناع من البيع من الرجل الشريف وكبير القوم والمعظم؛ لأن هذا الرجل امتنع من البيع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمن مؤجل، ولا يعد ذلك معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن طلب النبي صلى الله عليه وسلم البيع هنا ليس من باب التشريع بل من باب المعاملة؛ ولهذا لا يعد هذا الرجل عاصيا ولا يعد جابر بن عبد الله رضي الله عنه حين سأم النبي صلى الله عليه وسلم جمله فأبى أن يبيعه عليه لا يعد أيضا عاصيا؛ لأن مسائل المعاملات ليست من باب العبادات التي يكون المخالف فيها للرسول صلى الله عليه وسلم ولم يجب طلبه يكون عاصيا.

وفيه أيضا: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من إجراء الناس على مقتضى فطرهم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاتب هذا الرجل، ولم يوبخه، ولم يرسل إليه مرة أخرى ويقول: أعطني الثوبين غصبا عليك، لأن هذا مقتضى الفطرة أن الإنسان حر في بيعه وشرائه، إن طاب له الثمن باع وإن لم يطب فهو حر لا يبيع.

ما وجه إدخال هذا الحديث في باب القرض والسلم والرهن، هل هو من السلم؟

لا، ليس بسلم، هل هو قرض؟ لا، هل هو رهن؟ ليس برهن، لكن فيه شائبة من السلم أو شبه من السلم وتأجيل الثمن والسلم تأجيل المثمن.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>