يحتمل أنه أخبر الرجل بأن الذي أرسله هو النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه لم يبلغه؛ لأنه لا يشترط في الوكالة أن يعين الوكيل اسم الموكل، بل يصح أن يشتري له بحسب الوكالة وإن لم يعين اسمه، وقوله:"فامتنع" يعني: امتنع من البيع إلى ميسرة؛ لأن الغالب على التجار الذي يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله أنهم يحبون أن يستلموا القيم حتى يذهبوا مرة أخرى ليشتروا سلعة أخرى، ولا يناسبهم التأجيل، خصوصا أن التأجيل هنا على أجل غير معلوم إلى ميسرة، ومتى ييسر الله عز وجل على المشتري؟ الأمر مجهول ولذلك امتنع الرجل.
في هذا الحديث عدة فوائد: الفائدة الأولى: بيان حال الرسول صلى الله عليه وسلم وما هو عليه من قلة ذات اليد مع أنه صلى الله عليه وسلم لو أراد الدنيا كلها بحذافيرها لحصل عليها، ولهذا خيره الله في آخر حياته بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، وهنا كما ترى في هذا الحديث ليس عنده دراهم يشتري بها ثياب.
ومنها: حسن خلقه -عليه الصلاة والسلام- حيث كان متواضعا لأهله، فإن إقدام عائشة على المشورة عليه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ليس عنده كبرياء ولا عظمة خلافاً لما يوجد من بعض الأزواج الذين لا يكاد أهليهم يخاطبونهم إلا باستئذان، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أسمح الخلق وأسهلهم وأيسرهم.
ومنها: جواز الكناية عن المعين لغرض إذا كان لا يفوت مقصود الحديث لقولها: "إن فلانا".
ومنها: جواز شراء ثوبين، والثوبان قد يكونان في الغالب أكثر من الحاجة، فإذا اشترى الإنسان ثوبين لنفسه فلا بأس، وقد يقال: إن المراد بالثوبين هنا الإزار والرداء، وهما بقدر الحاجة، ولكن على كل حال الأصل أنه يجوز أن يقتني الإنسان لنفسه أكثر من ثوب ما لم يصل إلى حد الإسراف.
ومن فوائد الحديث: جواز الشراء مع عدم القدرة على الوفاء، وإن شئت فقل: جواز الاستدانة مع عدم القدرة على الوفاء في الحاضر، دليله؟ الدليل: أن الثوبين إلى أجل استدانة في الواقع ولكن هذا مشروط بأمرين، الأول: أن يكون على الإنسان حاجة تلجؤه إلى الاستدانة، والثاني: أن يرجو الوفاء، فإن لم يكن كذلك فلا ينبغي له أن يستدين؛ لأن الدين في الحقيقة أسر وذل للمستدين، ولهذا لم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي قال: إنه ليس عنده ما يمهر به المرأة لم يرشده إلى الاستدانة، وإنما طلب منه أن يعلم المرأة شيئا من القرآن عوضا عن المهر، وكذلك أيضا في القرآن الكريم لم يرشد الله عز وجل إلى الاستدانة، بل قال:{وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله}[النور: ٣٣]. ولم يقل: وليستدن، لكن قد تكون الحاجة إلى الثياب أشد من الحاجة إلى الزواح.
ومن فوائد الحديث: جواز التأجيل بالميسرة لقوله: "ثوبين نسيئة إلى ميسرة"، ولكن هذا قد يشكل، وهو أن الميسرة مجهولة، قد يوسر الإنسان بعد يومين أو ثلاثة أو عشرة، وقد لا يوسر