لنفوس بريئة، إذن من نلقي؟ قال الشباب: ألقوا الشيوخ؛ لأنهم أقرب للموت، هل يصح هذا؟ لا يصح، وقال الشيوخ: ألقوا الشباب، لأن الأمهات يلدن بدلهم؟ نقول: لا هذا ولا هذا، نقول: بالقرعة كما حصل ليونس -عليه الصلاة وَالسّلام- يونس ركب في فلك مشحون مملوء والى إلى الغرق إلا أن يُلقى بعض الركاب، فساهم فصارت القزعة على جماعة منهم يونس وألقي في البحر، لكن -والله أعلم- أن الذين القوا معه هلكوا، أمّا هو فقيد الله له حوتا كبيرا ابتلعه بدون مضغ أكلة جميعًا وبقي في بطنه، قال (عز وجل): {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: ١٤٣، ١٤٤]. لكن صدق رسول الله:«تَعَرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة». لما كان من المسبحين عرفه الله (عز وجل) في الشدة فأنقذه.
في هذا الحديث فوائد منها: أنه ينبغي للأولياء إذا خطب من أحدهم أن يرد الأمر إلى الآخرين مخافة أن يقع العقد منهم بدون علم فيحصل اللبس.
وفيه أيضًا: أنه إذا عقد أحد الأولياء قبل الثاني فالحكم للأول، ولكن لابد أن يكون كل واحد منهم وليا، أما لو كان السابق غير ولي ولكنه ابن عم أو أخ لأب مع أخ شقيق فلا عبرة بعقده.
ومنها: اعتبار الأسبقية في الدين الإسلامي، ولهذا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) من دعاه اثنان أن يُجيب أسبقهما، فالأولية لها مزية في الدين الإسلامي، وقد تكون الأخروية أحق أو أولى المهم أن الأولية لها الفضل.
[حكم زواج العبد بدون إذن سيده]
(٩٤٥) - وَعَنْ جَابر (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم): «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه أو أهله؛ فهو عاهر». رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه، وكذلك ابن حبان.
«أيَّما عبد تزوّج»، «أي»، هذه شرطية، «ما»، زائدة للتوكيد، و «تزوج»، فعل الشرط، وجملة «فهو عاهر» جواب الشرط، وقوله:«بغير إذن مواليه»، الموالي هم الذين أعتقوه في الأصل، وقد يُطلق المولى على المالك وهو المراد هنا؛ وذلك لأنه إذا أعتق ملك نفسه، لكن ما دام مملوكًا فالأمر لسيده، قال الله تعالى:{وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}[النور: ٣٢].