للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعدله، مثل هذا الحديث، فإن الناس كانوا يؤاجرون الأرض في المزارعة، لكن على وجه مجهول منوع فعدله النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد الحديث: ما أشار إليه المؤلف أنه يبين ما أجمل من النهي عن كراء الأرض، وينبني على هذه الفائدة أن النصوص الشرعية يبين بعضها بعضًا وهو كذلك، فالقرآن يبين بالنسبة، والسنة يبين بعضها ببعض، والقرآن يبين بعضه ببعض أيضًا.

[المزارعة]

٨٦٩ - وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة». رواه مسلم أيضًا.

"النهي": طلب الكف على وجه الاستعلاء، فإذا قال لك شخص: لا تفعل فقد طلب منك الكف عن هذا الفعل على وجه الاستعلاء، ويزاد في التعريف: "بصيغة المضارع المقرون بلا الناهية"، وإنما زيد هذا القيد لئلا يدخل في التعريف: "اتركوا كذا"، "اجتنبوا كذا"، فإن هذا طلب الكف على وجه الاستعلاء لكن ليس بصيغة المضارع المقرون بلا الناهية، فلا يسمى هذا نهيًا وإنما يسمى أمرًا بالترك أو أمرًا بالاجتناب، إذن صيغته لا تفعل، يعني: المضارع المقرون بلا الناهية.

إذا قال قائل: هل قول الصحابي: "نهى" صريح في النهي أو غير صريح؟

فالجواب أن نقول: يرى بعض العلماء أن هذا ليس بصريح وأنه مرفوع حكمًا، وعللوا ذلك بأنه يحتمل أن الصحابي فهم من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم النهي وليس بنهي، وقال بعض العلماء: بل إنه صريح؛ لأنه أضاف النهي إلى من؟ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، واحتمال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن الشيء ولكن فهمه الصحابي احتمال بعيد؛ لأن الصحابي لسانه عربي، والنبي صلى الله عليه وسلم لسانه عربي، والصحابي ثقة أيضًا فلا يمكن أن يقول: نهي إلا وهو متيقن أنه نهى، سواء جاء بصيغة النهي أو بغير الصيغة وهذا القول هو الصحيح، أما إذا قال الصحابي: أمرنا أو نهينا بالبناء للمجهول فهو مرفوع حكمًا؛ لأنه لم يصرح بالناهي أو الآمر، فأما إذا صرح بأن قال: أمرنا رسول الله أو نهانا، فالصحيح الذي لا شك فيه أنه مرفوع حكمًا، وأنه منزلة صيغة النهي، "نهى عن المزارعة"، وقد سبق أنها دفع أرض لمن يزرعها بجز معلوم مشاع من الزرع، وهنا يقول: "نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة" الأمر: طلب الفعل على وجه الاستعلاء، والمراد بالفعل: الإيجاد، فيشمل القول باللسان والعمل بالجوارح، فإذا قلت: قل: لا إله إلا الله فقد أمرته، وإذا قلت: ارجع واسجد فقد أمرته، إذن الأمر هو طلب الفعل، والمراد بالفعل هنا ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>