وقول المؤلف:"مال الترمذي والنسائي إلى ترجيح وقفه، وصححه مرفوعًا ابن خزيمة وابن حبان" معناه: أنه تعارض هنا الحكم عليه بالوقف وبالرفع، وقد مضى عدة مرات أنه إذا تعارض الرفع والوقف وكان الرافع ثقة حكم بالرفع لوجهين:
الوجه الأول: أن الرفع زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة.
الوجه الثاني: أنه لا منافاة بين الرفع والوقف، فإن الراوي أحيانا يسوق الحديث إلى منتهاه وأحيانا يحدث به هو كأنه من عنده، فالصحابي قد يقول مثلًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ويتكلم بالحديث، وقد قول الحديث من نفسه مبينًا للحكم فقط لا راويًا، وعلى الاحتمال الأخير يكون حاكيًا لا راويًا، هذا إذا كان الراوي ثقة، أما إذا كان الراوي غير ثقة- الرافع- فإننا لا نقبل الرفع حينئذٍ لا لأنه عورض بالوقف ولكن لضعف الراوي.
والخلاصة: أنه لا منافاة بين كون الراوي يحدث بالحديث مرة مرفوعًا، أو يقوله ناسبًا إياه إلى نفسه على سبيل الوقف؛ لأنه على الوجه الأول يكون راويًا، وعلى الوجه الثاني يكون حاكيًا.
وقوله:"وللدارقطني: لا صيام لمن لم يفرضه من الليل" إشارة إلى أن المراد بذلك: الصيام الواجب هو الذي يفرض، أما التطوع فإنه وإن ابتدأه الإنسان فله أن يفطر كما سيأتي.
من فوائد الحديث: أولًا: وجوب النية في الصيام لقوله: "من لم يبيت النية فلا صيام له"، ويشهد لهذا ذلك الحديث العظيم الذي يعتبر ركنًا عظيمًا من أركان الشريعة وهو حديث عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات ... " الحديث.
ثانيًا: أنه لا بد أن تكون النية قبل طلوع الفجر لقوله: "من لم يبيت الصيام قبل الفجر"، ووجه ذلك: لأجل أن تستوعب النية جميع النهار.
ومن فوائده أيضًا: أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ لأنه لا يمكن استيعاب جميع النهار إلا بنية قبل الفجر، وإلا فالأصل ابتداء الإمساك من طلوع الفجر لا قبله؛ لأن الله يقول:{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: ١ (٨٧)]. لكن لما كان لا يتم استيعاب جميع النهار إلا بنية قبل الفجر صارت النية قبل الفجر واجبة، وهذا من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ونظير ذلك قولهم في الوضوء: إنه لا يمكن استيعاب غسل الوجه إلا بجزء من الرأس، فلا بد أن يتناول الماء شيئًا ولو كالشعرة من الرأس، وكذلك قالوا في مسح الراس، المهم: أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فإن قلت: هل يجوز أن أبتدئ النفل من أثناء النهار؟
فالجواب: إن كان النفل معينًا فإنه لا يصح إلا من قبل طلوع الفجر، مثلًا: أيام البيض لا بد