وهذه متفق عليها على أن التورية القولية إذا تضمنت فعل محرم أو إسقاط واجب للغير فهي حرام، فإن لم تتضمن ذلك فهل هي جائزة وإذا قلنا بالجواز فهل هي تصل إلى الاستحباب في بعض الأحيان أم لا؟ الصواب: أنها ليست جائزة إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة وإنما قلنا بهذا؛ لأن هذا الموري إذا ظهر فيما بعد خلاف ما قال صار عند الناس كاذبًا وهذه مفسدة فلهذا نري أنها لا تجوز التورية إلا إذا كانت لحاجة أولمصلحة وإلا فلا يجوز.
[القتال أول النهار وأخره]
١٢٢٠ - وعن عقل، أن النعمان بن مقرن (رضي الله عنه)، قال:"شهدت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا لم يقاتل أول النهار آخر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصر"، رواه أحمد والثلاثة، وصححه الحاكم.
- وأصله في البخاري.
هذا أيضًا من الحكمة في تدبير الجهاد، وهو أن يتحرى الأوقات التي تكون أقرب إلى النصر، فمثلاً أول النهار لا شك أنه بعد برودة الليل، ونشاط الجسم بعد النوم فهو وقت مناسب للقتال فإذا لم يحصل ذلك فلا ينبغي أن يستقبل الإنسان القائلة، يعني: شدة الحر لأن ذلك ضرر بل يؤخر إلى أن تزول الشمس ولا بد أن نلاحظ أن يؤخر إلى أن تزول الشمس وتحصل البردوة، لأنه عند زوال الشمس المباشر لا يحصل بذلك برودة، بل إنهم يقولون أشد ما يكون من الحرارة بعد زوال الشمس بنحو ساعة.
وقوله:"حتى تزول الشمس" أي: تميل إلى جهة المغرب وذلك أن الشمس أول ما تطلع تكون في ناحية المشرق فإذا توسطت السماء زالت- أي: مالت- إلى جهة المغرب ثم أخذت في البرودة بعد أن كانت في الحرارة.
وقوله:"تهب الرياح" هذا شيء معتاد أنه في آخر النهار تهب الرياح إما عواصف شديدة أو دون ذلك لكن تتحرك الرياح- بإذن الله- في آخر النهار وهذه الرياح التي تتحرك في آخر النهار تكون باردة، لأن الجو قد برد وقوله:"وينزل النصر" هل هذا النصر الذي ينزل أمر لا نعلم سببه أو أن المراد: ينزل النصر، لأن الناس قاتلوا في زمن يكون فيه النشاط والقوة والشجاعة وهذا أقرب إلى النصر؟ فيه احتمالان، فإن كان الله تعالى ينزل النصر في آخر النهار حمل على ذلك وإن كان المعنى: أن القتال في آخر النهار سبب للنصر فهذا سبب حسي معلوم.