فيما إذا بان خلاف ظنه، في الكذب نفس الشيء نقول: الإنسان إذا حدث بكذب يعلم أنه كذب أو يغلب على ظنه أنه كذب فإنه واقع في الإثم.
١٤٥٨ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث». متفق عليه
هذا الحديث سبق في باب الترهيب من مساوئ الأخلاق، ولا أدري ما وجه سياقه له مرة أخرى، وهو أيضاً في باب الترغيب في مكارم الأخلاق، لكن لعل المؤلف رحمه الله ذهب وهمة حين ذكر: : «إياكم والكذب» وهذا من مساوئ الأخلاق ذكر بعده: «إياكم والطن»، وإلا فالعهد قريب، كونه رحمه الله يعيده مع قرب العهد فيه نظر. لكن الظاهر - والله أعلم، أن هذا واقع في هذا المكان على سبيل الوهم.
[حقوق الطريق]
١٤٥٩ - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «إياكم والجلوس على الطرقات. قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا نتحدث فيها. فال: فأما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى, ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر». متفق عليه.
"وإياكم والجلوس" هذا من باب التحذير، وقوله:"على الطرقات" جمع طريق، وهو أخص من الأسواق. لأن الأسواق تشمل الطرق وغير الطرق، أما الطرق فهي للأسواق المسلوكة، وقوله:"الجلوس على الطرقات" يشمل ما إذا كان جالساً وحده أو جالستا مع غيره، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها"، "ما": نافية، و "لنا بد" مبتدأ وخبر، ولا نقول: إنه خبر "ما" أو اسم "ما"؛ لأن ما هنا لا تعمل، لماذا؟ لعدم الترتيب، و "ما" الحجازية لا تعمل إلا إذا تقدم اسمها على خبرها، ومعنى: "ما لا بد" أي: لا مناص لنا ولا مفر من الجلوس، وقالوا ذلك ليس اعتراضيا على تحريم النبي صلى الله عليه وسلم من الجلوس على الطرقات، ولكنة بيان للحاجة إلى الجلوس، لعل النبي صلى الله عليه وسلم يذكر حالاً أخرى تهون ما أراد، فلما فهم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأنة لابد لهم منها قال: "فإما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه"، لم يقل: فأما إذا أبيتم فقد عصيتم، لأن الأمر الأول للإرشاد؛ يعني: التحذير الأول للإرشاد، "فإذا أبيتم" أي: امتنعتم "فأعطوا الطريق حقه"، وبهذا علم أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الجلوس على الطرقات خوفاً من عدم إعطاء الطريق حقه،