للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق والهدى، وكثير من الناس أسلموا بدون سيف وبدون قتال، لكن لما رأوا محاسن الإسلام، وأنه الدين الموافق للفطرة والدين الذي يتكفل بقيام الإنسان بحق ربه، وحق عباده دخلوه، ولا يعرف قدر الإسلام إلا من عرف الجاهلية وعرف الأديان التي سواه، فحينئذٍ يعرف قدر الإسلام، ولا يعرف الإسلام أيضًا إلا كان أهله متمسكين به غاية التمسك؛ ولهذا كثير من غير المسلمين اليوم لا يجدون للإسلام الطعم الذي يجده الناس في سلف الأمة؛ لماذا؟ لأن الناس لم يتمسكوا به فيظن الناس الذين لم يدخلوا في الإسلام الآن أن هذه مناهج من وضع البشر؛ لأنهم لو عاملوا المسلمين وجدوا من بعضهم معاملة سيئة لا تدعوهم إلى الإسلام.

والحاصل: أن هذا الحديث يدل على أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يتوكأ، ولكن هل هذا من هديه الدائم المستمر، أو إنما اتخذه لحاجة قبل بناء المنبر؟ يرى ابن القيم رحمه الله أنه اتخذه لحاجة قبل بناء المنبر، وأما ما اطلعت عليه من كلام الفقهاء الآخرين فإنهم يرون أنه سنة مطلقًا والذي يترجح عندي أنه ليس من باب التعبد، وإنما هو من باب الحاجات، فمتى احتاج إليه الخطيب فإنه يعتمد على ذلك، ويكون مقصودًا لغيره، وإذا لم يحتج إليه فلا حاجة إليه.

* * *

[١٣ - باب صلاة الخوف]

صلاة الخوف أشار الله تعالى إليها بقوله: } فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا {[البقرة: ٢٣٩]. وبقوله: } وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة فلتقم طائفة منهم معك ..... {إلخ [النساء: ١٠٢].

وقوله: "صلاة الخوف" هو من باب إضافة الشيء إلى سببه باعتبار صفته لا باعتبار أصل مشروعيته؛ لأن إضافة الشيء إلى سببه قد تكون باعتبار أصله، وقد تكون باعتبار صفته، فمثلًا إذا قلنا: "صلاة الكسوف" فهو باعتبار الأصل والصفة؛ لأن أصلها الكسوف لولا الكسوف ما استحبت هذه، ثم لها صفة خاصة تتميز بها عن بقية الصلوات فهذا باعتبار الأصل والصفة، وإذا قلنا: "تحية المسجد" فهي باعتبار السبب، لكن باعتبار الأصل لا الصفة، لكن أصل مشروعية الركعتين هو دخول المسجد، وهنا صلاة الخوف باعتبار الصفة، أما الأصل فهي مشروعة ولو بدون، خوف الصلوات الخمس مشروعة ولو بدون خوف، فتبين أن إضافة الشيء إلى سببه إما أن يكون باعتبار أصله أو وصفه، أو أصله ووصفه، يعني: أن هذا السبب سبب لكونها على هذه الصفة، هذا السبب لمشروعيته أو عدم مشروعيته؟ هذا السبب لمشروعيته، وكونه على هذه الصفة كل من باب إضافة الشيء إلى سببه، فصلاة الخوف كونها على هذا الوصف المعين سببه الخوف، لكن أصل مشروعية الصلاة ليس هو من أجل الخوف، نأتي إلى صلاة الكسوف ما هو السبب في مشروعية الكسوف؟ الكسوف في أصلها وفي وصفها لأنها مشروعة وعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>