ومن فوائد الحديث: النهي عن الملامسة والمنابذة، وذلك لأنهما من بيع الغرر الذي يؤدي إلى الجهالة والعداوة والبغضاء والندم من المغبون، وكل هذا مما يُنهى عنه في الشرع.
النهى عن تلقِّي الرُّكبان:
٧٧٤ - وعن طاوس، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقَّوا الرُّكبان، ولا يبع حاضر لباد. قلت لابن عباس: ما قوله: ولا يبع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارًا". متَّفق عليه، واللَّفظ للبخاريِّ.
قال:"لا تلقوا الركبان" الجملة هنا جملة إنشائية متضمنة للنهي عن تلقي الرُّكبان، و "تلقي" بمعنى: استقبال، و "الركبان" جمع راكب، والمراد بهم: كل من يقدم للبلد لبيع سلعته من راكب وماش وواحد وجماعة، لكنه علق الحكم بالركبان، لأن الغالب أن الذين يقدمون البلد لبيع السلع يكونون هكذا راكبين، ويكونون أيضًا جماعة، وإلا فلو قدم واحد لبيع سلعته فله هذا الحكم.
وقوله:"لا بيع حاضر لباد"، "الحاضر": صاحب القرية، و"البادي": من ليس من أهل القرية؛ لأنه أتى من البادئة، وهنا "لا يبع" فتكون "لا" ناهية.
ثم سأل ابن عباس: ما معنى قوله: "لا يبع حاضر لباد"؟ قال:"لا يكون له سمسارًا" والسمسار هو الذي يبيع لغيره بأجرة، وضده من يبيع لغيره مجانًا، ولكن للنصح، فالسمسار يبيع لغيره لمصلحة نفسه، والمتبرع يبيع لغيره لمصلحة الغير، لكنه يريد الأجر من الله، وبينهما فرق؛ أي: السمسار والمتبرِّع؛ لأن المتبرع ناصح محضًا، والسمسار إنما هو للمصلحة، رجل أناني.
وقوله:"تلقوا الركبان" المراد: تلقيهم للشراء منهم، أما إذا تلقاهم ليضيفهم فإن ذلك لا بأس به، فالمراد: تلقيهم للشراء منهم؛ وذلك لأن الشراء منهم فيه مفسدتان: المفسدة الأولى: ما يخشى من غبنهم؛ لأن هؤلاء قدموا إلى البلد لا يعرفون الأسعار، فيأتي هذا المتلقي الذي تلقاهم خارج البلد ويشتري منهم برخص فيعينهم، المسألة الثانية: أن فيه تفويتًا للربح على أهل البلد؛ لأنه جرت العادة أن هؤلاء الرُّكبان يبيعون برخص ويشتري الناس منهم، ويكسبون من ورائهم، فمن أجل هذين الأمرين نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان، أما الحاضر لباد فنهى عنه؛ لأن الحاضر عالم بالسلعة، والبادي غير عالم، والبادي في الغالب يبيع برخص، لأنه يريد أن يقضي حاجته ويمشي، فإذا تولى الحاضر البيع له فإنه لن يبيع برخص سيبيع بالثمن الذي يبيع به الناس، وحينئذ يفوت الناس الفائدة التي تحصل من بيع البادي بنفسه.