ففي هذا الحديث فوائد: أولًا: النهي عن تلقي الركبان للشراء منهم لقوله: "لا تلقوا"، وهذا النهي للتحريم أو للكراهة؟ للتحريم؛ لأن الأصل في النهي التحريم، ولأجل العلة التي تفوت بهذا التلقي.
ومن فوائد الحديث: حماية الشرع لمصالح العباد الفردية والجماعية، الفردية؛ لأن في النهي عن تلقي الركبان حماية للبائع، وهذه فردية، وتفويت مصلحة لأهل البلد وهذه جماعية، فالشرع يحمي المصالح الفردية والجماعية.
وظاهر الحديث النهي عن تلقي الرُّكبان، سواء كانوا يعلمون بالقيمة أو لا يعلمون، أما إذا كانوا لا يعلمون فالأمر ظاهر، وأما إذا كانوا يعلمون فإن العلة ألا يتخذ هذا ذريعة لتلقي من لا يعلم، صحيح أنه ربما يكون الذين قدموا لبلد لبيع سلعهم يعرفون الأسعار تمامًا وربما لم يأتوا لهذا البلد إلا لعلمهم بالسعر لاسيما في وقتنا هذا سهولة المواصلات، والإنسان يستطيع أن يعلم بالهاتف القيمة قبل أن يتوجه من بلده فضلًا عن وصوله للبلد، لكن نقول: الحديث عام ويجب سد الباب.
هل إذا اشترى منهم يصح البيع أو لا يصح البيع؟ نقول: في هذا قولان لأهل العلم - وهذه هي الفائدة الرابعة- فمن العلماء من يقول: إن البيع لا يصح؛ وذلك لأن النهي عن التلقي يراد به النهي عن الشراء فيكون النهي حقيقة عائدًا إلى الشراء ويكون هذا الشراء منهيًا عنه ولا يمكن أن يصح، ولكن الصحيح أن الشراء يصح، ودليل ذلك ما يأتي في الحديث الذي بعده أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تلقوا الجلب، فمن تلقي فاشتري منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار"، قالوا: وثبوت الخيار له فرع عن صحة البيع إذ لا خيار إلا بعد بيع، ولا شك أن هذا هو ظاهر الحديث أن البيع صحيح، بدليل أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أثبت للرُّكبان الخيار، وثبوت الخيار فرع عن صحة البيع، على أنه يمكن أن يقول قائل: أن المراد بالخيار: الإمضاء، ويكون ذلك من باب تصرف الفضولي، وبناء على هذا يقع العقد موقوفًا حتى يأتي صاحبه السوق ويكون بالخيار، إن أجاز نفذ البيع، وإن لم يجز فالبيع غير نافذ من أصله، ويتفرع على ذلك: ما لو تلف هذا المبيع بين شرائه من خارج البلد وبين وصوله إلى البلد فإن قلنا: إن البيع صحيح فضمانه على من؟ على المشتري؛ لأنه ملكه، وإن قلنا: إن البيع لا يصح، وإنه من باب تصرف الفضولي فالضمان على البائع، ولكن لنا فسحة، وأن نأخذ بظاهر الحديث، ونقول: الأصل أن