والحديث مطلق، وإذا كان مطلقًا وليس هناك قرينة تدل على تعيين أحد الأمرين كان صالحًا لهما جميعًا.
وقولها:"وكان عندي حلي لي"، لا يدل على أنها أرادت أن تتصدق بجميع الحلي، لكن أرادت أن تتصدق بحلي عندها، إما عن زكاة، وإما عن تطوع.
وقولها:"فزعم ابن مسعود"، أصل الزعم: يقال للقول الكاذب، ولكن قد يراد به الصدق.
وقولها:"أحق" بمعنى: أولى وأجدر، "من أتصدَّق به عليهم" فقال النبي صلى الله عليه وسلم "صدق ابن مسعود"، "صدق" بمعنى: أخبر بالصدق، ثم أكد هذا أيضًا لم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، بل قال:"زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم" فأكد هذا الكلام بأمرين:
الأمر الأول: أنه قال: صدق. والثاني: أنه أعاد الكلام.
فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد، الأولى: أن صوت المرأة ليس بعورة، وجه ذلك: أنها تكلمت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أحد، ولو كان صوت المرأة عورة وهذا الحديث فرد من أحاديث كثيرة لا تحصر في أن النساء كن يتكلمن بحضرة الرجال، ولا ينهاهن النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهذا يدل على أن صوت المرأة ليس بعورة لمجرد كونه صوت المرأة، لكن لو فرض أن الإنسان صار يسترسل معها في الكلام متلذذًا بذلك فهذا حرام لأن التمتع بصوت المرأة أو بالنظر إليها محرم.
كذلك أيضًا يستفاد منه: حرص نساء الصحابة على العلم، لأنها جاءت تستفتي، والاستفتاء طلب علم لأن طلب العلم لا يقتصر على أن يرتسم الإنسان على طلب العلم، وينذر نفسه لذلك ويتفرغ له فحسب، لا حتى الإنسان إذا جاء يسألك عن مسألة فإنه يعتبر طالب علم، قال النبي صلى الله عليه وسلم "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله به طريقًا إلى الجنة".
ويستفاد من هذا الحديث أيضًا: أن الصدقة من العبادات، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، وكونها من العبادات أمر واضح، ولكن هذا نأخذه من هذا الحديث.
ومن فوائد الحديث: جواز بيان الإنسان أحقيته فيما يستحقه وأن هذا ليس من باب المسألة المذمومة، وجه ذلك: أن ابن مسعود قال: إنه أحق من تصدقت بحليها عليه هو والولد، فإذا قدِّر مثلًا أن إنسانًا كتب إلى جهة توزع الكتب بأنه مستحق وأهل لذلك؛ فإن هذا ليس من المسألة المذمومة؛ لأن الجهة لا تحيط بالناس ولا تعرفهم، فكتابتك إليها مثلًا ما هي إلا تعريف وإعلام وليست سؤالًا، فإذا بيَّن الإنسان أنه أحقَّ بهذا الشيء وإن كان ذلك البيان يستلزم السؤال لكنه ليس بسؤال مذموم؛ لأن ابن مسعود قال ذلك وعلم به النبي صلى الله عليه وسلم وأقره.