للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلنا في الفلك غرقنا جميعًا، وإن نزل بعضنا سلم الباقي، ولا شك أن استباق البعض خير من هلاك الجميع، إذن من ننزله؟

قد يقول قائل: ننزل الثقيل الكبير البدن؛ لأن الثقيل البدن واحد عن عشرة من الصغار، وقال الثاني: بل ننزل كبير السن؛ لأنه أقرب إلى الموت من الشاب، أيامه مدبرة، والشاب في مستقبل العمر، وقال الآخر: ننزل الأحمق حتى نستريح منه ونريح، وكل واحد أتى بعلة، نقول: كل هذا لا يكون؛ لأن قتل النفس يستوي فيه الجاهل والعالم والسفيه والرشيد والمجنون والعاقل، دية المجنون كدية العاقل، إذن لا طريق لنا إلا القرعة؛ ولهذا ضربوا القرعة {فساهم فكان من المدحضين} يعني: ليس وحده؛ {فكان من المدحضين} معه أناس، والقصة مشهورة.

وفي السنة في ستة مواضع هذا أحدها: "كان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه" إذن القرعة، طريق شرعي لإثبات المستحق، ولكن يشترط التساوي، فإن كان هناك مرجح فلا قرعة بل نأخذ بالراجح؛ لأنه إذا كان مرجحًا صارت المسألة قمارًا، مثال ذلك بيننا طعام مقداره مائة صاع فقسمناه ستين صاعًا وأربعين صاعًا ثم أردنا أن نضرب قرعة فالقرعة هنا حرام؛ لأن أحدنا إما غانم وإما غارم، وهذا لا يجوز؛ لأنه قمار إذا خرجت القرعة لي على ستين صاعًا صرت غانمًا، كم أغنم؟ عشرة، وإن صارت القرعة على الأربعين غرمت عشرة، إذن هذا لا يجوز لكن نقسمه نصفين ثم نضرب القرعة، وهل يقاس على هذه المسألة ما أشبهها من الحقوق؟ الجواب: نعم.

وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في آخر القواعد الفقهية متى تكون القرعة، وذكر جميع مسائل القرعة التي ذكرها الفقهاء من أول الطهارة إلى آخر الإقرار، فإذا أردتم الاطلاع عليه فهو مفيد.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا خرج بالقارعة فإنه لا يقضي للمقروعة، هذا هو الصحيح، وهذه هي فائدة القرعة، وليست فائدة القرعة هو أنه يختص بهذه القارعة هذه المدة، ثم يقضي للباقيات؛ لأن هذا قد يكون فيه ضرر على القارعة، فهو إذا خرج بها لا يقضي.

وهل تعاد القرعة مرة ثانية لو أراد سفرًا آخر، ونقول: من قرعت في السفر فلا حظ لها في القرعة في السفر الثاني؟ ظاهر الحديث: "إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه" أنه يعيد القرعة بين الجميع وهو مشكل؛ لأنها قد تخرج القرعة في السفر الثاني للقارعة، وبما في الثالثة وفي الرَّابعة، وحينئذ يتكرر السفر بواحدة مع حرمان الباقيات، وهذه مسألة تحتاج إلى نظر وتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>