فالجواب على ذلك أن نقول: هذا ليس فيه ائتمان، فأبو سفيان لم يأتمنها على ماله، لكنها أخذت قدر حقها الواجب عليه من ماله بدون ائتمان، وهناك فرق بين رجل يأخذ ما يجب له بدون ائتمان وشخص ائتمنه غيره فخان الأمانة.
يبقى النظر إذا قال قائل: إذا قلتم بهذا فكل من كان له على شخص دين وقدر على شيء من ماله فله أن يأخذ بمقدار دينه، لأن المدين لم يأتمنه فهو يأخذ من ماله بقدر دينه، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لهند أن تأخذ من مال زوجها بدون علمه؟
فالجواب: أن هذه المسألة يُعبّر عنها عند أهل العلم بمسألة الظفر، يعني: الذي يظفر بماله، شخص له عليه حق هل يأخذ بقدر حقه، وهذه المسألة فيها أربعة أقوال للعلماء:
القول الأول: المنع مطلقًا، واستدلوا عليه بهذا الحديث.
القول الثاني: الجواز مطلقًا، واستدلوا عليه بالآية:{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليك}[البقرة: ١٩٤]. حتى إن ابن حزم قال: يجب أن تأخذ من ماله بمقدار مالك؛ لأن الله أمر قال:{فاعتدوا} لكن هذا ليس على سبيل الوجوب؛ لأن قوله:{فاعتدوا} على سبيل الإذن والإباحة، ولهذا لو أسقطت حقك وسمحت كان هذا جائزًا بالاتفاق على كل حال: هذا قول.
القول الثالث: إن كان ما أخذته من جنس ما هو لك فلا بأس مثل أن يكون في ذمته لك مائة صاع من بُرّ فتأخذ من ماله مائة صاع من بُرّ، وأما إذا كان من غير الجنس فإنه لا يجوز؛ لأنه إذا كان من غير الجنس صار مبادلة ومعاوضة فيكون عقد بيع، وعقد البيع لا يجوز إلا برضاً من البائع، وعلى هذا فلا يجوز.
لو كان في ذمته لك مائة صاع من البر ولم تجد عنده إلا رزًا فهل تأخذ؟ الجواب على هذا القول: لا؛ لأنه ليس من جنس مالك.
القول الرابع: أنه إذا كان سبب الحق ظاهرًا فلك أن تأخذ بمقدار حقك، وإن كان باطلًا فليس لك أن تأخذ، واستدلوا لذلك بما إذا كان ظاهرًا أن النبي صلى الله عليه وسلم أذِن لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها؛ لأن سبب وجوب النفقة ظاهر، وهو الزوجية، فهي زوجته فلو أخذت منه ثم عثر عليها ثم طالبها لم يقل الناس: إنها خائنة؛ لأن الناس يعرفون أنها زوجته، ولها حق النفقة، وكذلك أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لمن نزلوا على قوم ضيوفًا ولم يعطوهم حق ضيافتهم أن يأخذوا من أموالهم بمقدار ما لهم من الضيافة، لماذا؟ لأن الحق سببه ظاهر وهو الضيافة، هذا القول هو