٨٢ - وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ الإداوة، فانطلق حتى توارى عني، فقضى حاجته". متفق عليه.
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكان مصاحبا له، وكان يخدمه في وضوئه واستنجائه فقال له:"خذ الإداوة" ما هي الإداوة؟ الإداوة هي: إناء من جلد صغير يكون فيه الماء، ويشبهه عندنا ما يسمى بالمطارة، وقوله:"خذ الإداوة" من المعلوم أنه إنما أمره ليأخذها من اجل أن يستنجي بالماء ويتوضأ به، "فانطلق حتى توارى عني" توارى؛ بمعنى: اختفى عنه، "فقضى حاجته" يعني: ببول أو غائط، وإنما فعل ذلك - عليه الصلاة والسلام- لا من اجل ستر لعورة؛ لأن ستر العورة واجب ويحصل بأدنى من ذلك، ولكن من أجل أن يبتعد عن رؤيا الناس له على هذه الحال؛ لأن الرجل الحيي الذي فيه الحياء لا يحب أن يراه الناس وهو يقضي حاجته بل يحب أن يبعد حتى لا يروه، وهذا غير نظر العورة؛ لأن نظر العورة أشد من هذا ويأتي الكلام عليه.
في هذا الحديث فوائد منها: جواز استخدام الأحرار، دليله: أن الرسول استخدم المغيرة بن شعبة.
ومن فوائده: أن أمر الخادم بالشيء لا يعد سؤالا مذموما، فقول الرسول للمغيرة:"خذ هذا" أمر ليس سؤالا؛ لأن الخادم يرى نفسه في منزلة دون منزلة المخدوم، فإذا وجه إليه أمر فليس سؤالا، ولكنه أمر.
ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة المغيرة ومنقبته في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذه منقبة ومزية أن يكون الإنسان خادما للرسول - عليه الصلاة والسلام- لما في ذلك من الشرف العظيم، ومن العلم الذي يكتسبه من خدمته للرسول - عليه الصلاة والسلام-.
ومن فوائد الحديث: جواز الاقتصار على الماء في الاستنجاء؛ إذ لم يأمر المغيرة أن يحمل أحجارا.
فإن قال قائل: ربما تكون الأحجار عنده فلا يحتاج أن يأمره.
قلنا: نعم، هاذ محتمل، لكن إذا نظرنا إلى حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأتي بأحجار فأتى بحجرين وروثة، فألقى الروثة، وقال:"إنها رجس". فهذا يدل على أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- إذا أراد الاستجمار بالحجر طلب ممن يخدمه أن يأتيه بالحجر.
ومن فوائد هذا لحديث: شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم، والحياء معروف ولا يمكن أن نحده بأوضح من لفظه، فإن الانفاعالات النفسية لا يمكن للإنسان أن يحدها ويعرفها. لو قال قائل: ما