للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرتبة في الحصر أن يكون بلفظ "إنما" مثل قوله تعالى: {إنَّما الله إلهٌ واحدٌ} ومن طرق الحصر أيضًا: تقديم ما حقه التأخير مثل: {ولله ملك السَّموات والأرض} ومنها: الحصر بضمير الفصل الحصر مثل: زيد هو الفاضل، يعني: لا غيره، ومن طرق الحصر كذلك: تعريف زكني الجملة المكونة من مبتدأ وخبر، فهو يفيد الحصر عند الجمهور، مثل: القائم زيد.

فالمهم: أن الحصر له طرق بعضها أقوى من بعض، هذا الذي معنا "لا يحرم من الرضاع إلا" أقواها.

وقوله: "إلا ما فتق الأمعاء" لو أخذنا بهذه الجملة لكان الذي يحرم من الرضاع هو ما يرضعه، لأنه هو الذي يفتق الأمعاء، إذ إن أمعاء الطفل حين الولادة غير منفتقة؛ لأنه يتغذى في بطن أمه بواسطة الصرة هذه الصرة - بإذن الله - كعرق النخلة في الأرض يمتص من الدم ما به يحيا وينمو حتى يأذن الله له بالخروج وحينئذ يرتضع من أمه بطريق أخرى، وهما الثديان اللذان ركبهما الله عز وجل على الصدر ليكون الطفل حين رضاعه في حضن أمه فيكون هذا أقوى للحنان من أمه عليه ويكون أريح له أيضا؛ لأنه سيبقى مضجعًا على فخذيها وتذلي عليه هذه الثدي، والله سبحانه عليم حكيم، المهم أن ظاهر الحديث أنه لا يحرم إلا ما كان أول رضعة لأنه هو الذي بها تنفتق الأمعاء ولكنه قال: "وكان قبل الفطام" فأشار بقوله هذا إلا أن العلة هي الفطام؛ وعلى هذا فيكون فتق الأمعاء في اول رضعة فتقا حقيقيًا وفتقها فيما بعد فتقا حكيمًا؛ لأنها عند الجوع تنسفط فإذا جاءها الغذاء باللبن انفتقت وكان قبل الفطام ومتى يكون الفطام؟ الفطام في الأصل يكون عند تمام الحولين لقوله تعالى: {وحمله وفصله ثلاثون شهرًا} (الأحقاف: ١٥).

وقال: {وفصاله في عامين} (لقمان: ١٤). وقال: {والولدت يرضعن أولدهنَّ حولين كاملين} (البقرة: ٢٣٣). هذا هو الأصل، لكن من الأطفال من ينمو سريعًا ولا يحتاج إلى الرضاع إلا لمدة أقل من الحولين، فإذا فطم لأقل من حولين تم الفطام ومن الأطفال من يكون نموه ضعيفًا، إما لوراثة وإما لمرض، وإما لقلة لبنٍ، أو لغير ذلك المهم هذا يحتاج إلى زيادة عن الحولين، والحكم يدور مع علته، ولهذا لما قال: {والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف لا تكلَّف نفسٌ إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أراد فصالًا} (البقرة: ٢٣٣). الضمير يعود على الأم والأب {فصالًا عن تراض منهما وتشاور} فذكر القيود: {تراضٍ} و {وتشاورٍ}، فالمسألة ليست بالهينة، وهذا يدل على كمال رعاية الله للأطفال، وأن رعايته لهم أشد من رعاية الوالدين، المهم أن قوله: "وكان قبل الفطام".

لو قال قائل: الفطام قبل الحولين أو بعدهما أو معهما؟

<<  <  ج: ص:  >  >>