ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يحرص على معرفة المشتبه حتى يكون على يقين من أمره، فإن دام الاشتباه ولم يصل إلى نتيجة فالورع ترك المشتبه. ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يستبرئ لدينه وعرضه، فلا يقع في المشتبهات، ولا يصاحب من يشتبه فيه، ولا يتعرض لما يدنس عرضه؛ لقوله:«فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»، لا يتكل الإنسان على ثقة الناس به، فإن الأعداء كثيرون، قد يكون الإنسان يحس بنفسه أنه محل ثقة عند الناس في دينه وعلمه وخلقه، لكن كل إنسان له أعداء، ربما يشيع عنه الأعداء ما كان كذباَ فينحط قدره عند الناس، ولهذا يجب على الإنسان أن يستبرئ لدينه وعرضه حتى يسلم من الشر، لا يقول: الناس لا يظنون بي إلا خيراً، وكلن يجب أن يبين، ولقد رأى رجلان من الأنصار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الليل ومعه صفية، فأسرعا خجلاً من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقال:«على رسلكما إنها صفية بنت حبي» فقالا: سبحان الله! قال لهما: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال شيئاً»، مع أننا نعلم علم اليقين أن الصحابيين لا يخطر ببالهما شيء مما يظن، لكن الإنسان يدرأ عن نفسه ما يبرئ به دينه وعرضه. ومن فوائد الحديث: سد الذرائع، لقوله:«ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام»، فكل ذريعة توصل إلى محرم فالواجب اجتنابها. ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بضرب الأمثال المحسوسة ليتوصل بها إلى فهم المعاني المعقولة، بأن شبه النبي (صلى الله عليه وسلم) من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام بالراعي، الراعي كلنا يعرف أنه إذا رعى حول الحمى فإنه يوشك أن يقع فيه. وهل من فوائد الحديث: جواز الحمى في البر، أن يحمي الإنسان لنفسه مكاناً يرعى فيه إبله وغنمه وبقره وما أشبه ذلك؟ لا؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) مثل بأمر واقع، أما هل يجوز أو لا يجوز فهذا شيء آخر يؤخذ من نصوص أخرى، لكن النبي (صلى الله عليه وسلم) يذكر الأمور الواقعة أحياناً لا لإقرارها ولكن لبيان أنها ستقع، إذن هل يجوز أن يتخذ الإنسان له مكاناً يحميه من المراعي الطيبة؟ نقول: أما إذا كان ذلك لخاصة نفسه فإنه لا يجوز، لأن الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار، وأما إذا كان لمصالح المسلمين العامة فلا بأس، لأنه لم يتخذه لنفسه، فإذا قدر أن هذا الأمير حمى أرضا مخصبة جيدة لإبل الصدقة مثلا أو لغنم الصدقة أو لبقر الصدقة فهذا جائز،