على كل حال: كلما صغرت المضغة فهو أحسن، لأن الإنسان يستطيع أن يعالجها تماماً ويهضمها تماماً، لكن الغالب أن المضغة من البضة فأقل، ولا أعني بذلك: البيضة الكبيرة، ولكن بيضة الدجاج المعروف فأقل، هذه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، فتبارك الله أحسن الخالقين، مضغة في الجسد إذا صلحت صلح الجسد كله، وهل المراد هنا بالصلاح: الصلاح الديني، أو الصلاح الجسدي؟ الديني، قد يقول قائل: كلاهما، لكن هذا لا يختص بالقلب، إذا صلح الدماغ أيضاً صلح الجسد كله، إذا صلحت القدمان صلح الجسد كله، المراد: الصلاح الديني. ففي هذا الحديث من الورع: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه». أما فوائده ففيه أولاً: أنه ينبغي لحامل الخبر أن يؤكده بالمؤكدات التي تقنع السامع، يؤخذ ذلك من قوله:«أهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه»، ومثل ذلك: حديث أبي شريح الخزاعي حيث قال: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) قام فينا خطيباً غداة فتح مكة فحدثنا حديثاً سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به، كل هذا تأكيد للسماع، فينبغي للإنسان أن يؤكد خبره بما يفيد تأكده، لاسيما عند الشك فيه إما لغرابته أو لكون المخبر غير ثقة عند السائل فيؤكده بأنواع المؤكدات. ومن فوائد الحديث: أن المحرمات والمحللات تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم حله بين، وقسم تحريمه بين، وقسم مشتبه، أما ما حله بين وتحريمه بين فأمره واضح، الحلال حلال، والحرام حرام، وأما المشتبه فما موقف الإنسان منه؟ موقفه: أن يتقيه، لأنه إن فعله فهو بين الإثم والسلامة، وإن تركه سقط عنه احتمال الإثم وتأكد السلامة، ومعلوم أنه إذا تأكد الإنسان السلامة من الإثم فهو خير له. ومن فوائد الحديث: أن الناس يختلفون في العلم لقوله: «لا يعلمهن كثير من الناس»، وهل يختلفون في الفهم؟ نعم، يختلفون في الفهم اختلافاً عظيماً، أما العلم فمعناه الاطلاع على الأدلة الشرعية وعلى أقوال العلماء، وأما الفهم فهو غريزة يجعلها الله (عز وجل) في الإنسان، وقد تكون مكتسبة فتزيد من التمرن وهذا أمر مشاهد، الإنسان كلما تمرن على تدبر النصوص وتفهمها؛ ازداد فهماً، وكم من إنسان أخذ من نص واحد عدة مسائل، وآخر لم يأخذ منه إلا مسألة واحدة، ففضل الله يؤتيه من يشاء، وقد سئل علي بن أبي طالب هل عهد إليكم النبي (صلى الله عليه وسلم) بشيء؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله تعالى أحداً في كتابه، فقال:«إلا فهماً» دل ذلك على أن الإنسان قد يدرك بفهمه ما لا يدركه غيره.