فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد أولًا: وقوع التخصيص في النصوص وأن بعضها يخصص بعضا، فإن قلت: كيف يخصص بعضها بعضا مع الانفصال، ولو كان المخصص متصلًا مثل:"قام القوم إلا زيدا" لكان الأمر واضحًا، لكن هنا منفصل ذاك حديث، وهذا حديث فكيف يصح التخصيص مع الانفصال؟
الجواب: لأن المتكلم بهما واحد، والشرع لا يختلف ولا يتناقض، ولو أننا قلنا بعدم التخصيص لتناقض في الصورة التي لا يجتمعان فيها: فإذا قلنا بتخصيص العام اتفق في الصورة المعينة التي وقع فيها التخصيص، لكن لو أني تكلمت بكلام عام ثم جاء واحد آخر يتكلم بكلام خاص فهو لا يستطيع أن يخصص كلامي؛ لأن المتكلم مختلف، أما والمتكلم واحد والشرع لا يتناقض فإن القول التخصصي واجب وهو واقع.
ويستفاد من هذا الحديث: حكمة الشرع حيث فرق بين ما يسقى بمؤنة وما يسقى بلا مؤنة، فجعل الذي يسقى بمؤنة فيه على النصف مما يسقين بلا مؤنة.
ويستفاد: حكمة الشرع أيضًا من وجه آخر، فإنه لما كانت الزروع أقل كلفة من الاتجار بالدراهم والدنانير جعل الشرع فيها نصف العشر أو العشر بخلاف الدراهم والدنانير وأموال التجارة ففيها ربع العشر؛ لأن تنمية تلك أصعب وأشق، فالدراهم والدنانير إن لم تحركها لا تنمو ولا تستفيد منها فلو أوجبنا نصف العشر لكانت تتلف عليه بسرعة، وأما عروض التجارة فتنمو لكنها تنمو نموًا بطيئا خفيفا، ونمو الثمار والحبوب أسرع، إذ إنه ربما يكسب الإنسان في خلال ستة أشهر تكون المائة سبعمائة أو أكثر:{كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة}[البقرة: ٢٦١].
كم تكون الواحدة؟ سبعمائة، فالنمو فيها ظاهر جدًا لذلك أوجب الشرع فيها العشر إذا كان لا يحتاج إلى مؤنة في سقيه، ونصف العشر إن كان يحتاج إلى مؤنة في سقيه، إن كان يسقى أحيانًا بمؤنة، وأحيانًا بلا مؤنة اعتبرنا الأكثر، فإذا كان مثلًا يسقى بمؤنة ثمانية أشهر، وبلا مؤنة أربعة أشهر اعتبرنا الأكثر، إلا إذا كانت هذه الأربعة في انتفاء الزرع أكثر من ثمانية فإننا حينئذ نرجع إلى الأنفع، فصار إذا كان يسقى بهذا وبهذا تعتبر الأكثر قدرًا؛ لأن الأكثر قدرًا منضبط ثمانية أشهر، أربعة، تسعة أشهر وثلاثة، وذلك إذا كان الزرع يبقى سنة، فإن كان ستة أشهر فعلى النصف أربعة أشهر وشهرين