للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "أخّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما"؛ لأن ذلك أيسر له، فيؤخر الظهر إلى وقت العصر من أجل أن يجمع بينهما، لأنه لا يمكن أن يصليهما قبل دخول الوقت، لأنه ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، هو يؤخر ثم يجمع بينهما قال: "فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلّى الظهر ثم ركب"، وظاهر هذا الحديث - المتفق عليه-: أنه يصلي الظهر فقط، ولا يجمع، ولكنه يقول:

- وفي رواية للحاكم في الأربعين بإسناد صحيح: "صلّى الظُّهر والعصر، ثم ركب".

- ولأبي نُعيم في مستخرج مسلم: "كان إذا كان في سفر، فزالت الشمس صلّى الظُّهر والعصر جميعًا، ثمّ ارتحل".

فعلى هذه الرواية ورواية الحاكم يكون معنى: "صلى الظهر" يعني: مع العصر، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" يعني: مع العاشر، فهنا: "صلى الظهر، واكتفى بإحدى الصلاتين عن الأخرى، "صلى الظهر" يعني: والعصر من أجل ألا ينزل فيصلي الظهر والعصر، ثم يركب ويمشي إلى الليل حتى لا ينزل.

هذا الحديث أصل في الجمع بين الصلاتين، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت الصلوات: وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل، كل صلاة إلى وقت معين، وقد قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} [النساء: ١٠٣]، فالأصل أن تصلي كل صلاة في وقتها هذا الواجب.

واختلف العلماء في الجمع، فكانوا فيه طرفين ووسطًا: فمنهم من يقول: إن الجمع لا يجوز إلا في موضعين: في عرفة، ومزدلفة، وأن سبب الجمع فيهما هو النسك وليس السفر، فيرون أن الجمع في هذين المكانين نسك، وليس من أجل السفر، ومنهم من توسع في الجمع وأجاز الجمع حتى بدون عذر، وأما هذا التوقيت فعلى سبيل الأفضلية فقط.

ومنهم من توسط وقال: إن الجمع إن كان له سبب شرعي فهو جائز، وإن لم يكن له سبب شرعي فالواجب أن تصلي كل صلاة في وقتها.

أما الذين يقولون: إنه لا جمع إلا في عرفة ومزدلفة، فالذي حملهم على ذلك أنهم لا يمكنهم إنكار الجمع في عرفة ومزدلفة لثبوت ذلك وشهرته وظهوره، لكنهم حملوه على أنه نسك، وأجابوا عن كل ما ذكر فيه الجمع بأنه جمع صوري، ليس جمعًا حقيقيًّا بحيث أن كل

<<  <  ج: ص:  >  >>