الواقع أن اللفظ الذي في أيدينا أنهما جملتان منفصلتان، وأما ما جاء في بعض الروايات أنه احتجم وهو صائم محرم فهذا لا يصح؛ لأنه لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم صائمًا محرمًا أبدًا؛ إذ إن ذهابه إلى مكة في وقت الصيام كان في غزوة الفتح ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم محرمًا، فالجمع بينهما وهم من بعض الرواة أنه احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم، يعني: فصل هذه عن هذه، فهذا- كما يقول المؤلف-: رواه البخاري.
فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد:
الأولى: جواز الحجامة للمحرم لقوله: "احتجم وهو محرم".
الثانية: أنه يجوز أن يحلق من الشعر ما يحتاج إليه في الحجامة، لماذا؟ لأنه من اللازم لذلك وجواز الملزوم يدل على جواز اللازم.
الثالثة: أنه إذا حلق من رأسه مثل هذا القدر فليس فيه فدية، وبه نعرف ضعف قول من يقول: إن الإنسان إذا أخذ شعرة واحدة من رأسه فعليه طعام مسكين، فإن أخذ اثنتين فطعام مسكينين، فإن أخذ ثلاث شعرات ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فهذا القول ضعيف، ولا يعد من أخذ ثلاث شعرات من رأسه حالقًا، والله عز وجل يقول:{ولا تحلقوا رءوسكم حتى تبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية}[البقرة: ١٩٦]. والكلام على حلق الرأس، إمَّا شعرة أو شعرتين فليس فيه شيء.
فإن قلت: إن الذي أسقط الفدية هنا الحاجة إلى أخذ الشعر.
فالجواب أن نقول: إن الحاجة لا تسقط الفدية؛ لأن الله قال:{فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية}[البقرة: ١٩٦]. وهذه الصورة تعدُّ حاجة؛ ولهذا حلق كعب بن عجرة رضي الله عنه رأسه؛ لأنه جئ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهه من رأسه؛ لأنه كان مريضًا، والمريض تكثر معه الأوساخ، ويضعف بدنه ويكثر فيه القمل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى. ثم رخَّص له أن يحلق وأن يفدي بصيام أو صدقة أو نسك.
إذن نقول: إن الحاجة إلى حلق هذا الجزء اليسير من الرأس من أجل الحجامة لا تسقط الفدية؛ لأنها لو وجبت ما أسقطتها الحاجة، بدليل حديث كعب بن عجرة.
وعلى هذا فنقول: إن أقرب الأقوال في حلق الشعر مذهب مالك رحمه الله أنه إذا حلق ما يزول