به الأذى وجبت الفدية، وإن حلق دون ذلك فلا فدية عليه، لكن يحرم عليه أن يحلق إلا لحاجة.
وفي هذا الحديث أيضًا: دليل على جواز الحجامة للصائم لقوله: "احتجم وهو صائم"، وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء أن الحجامة للصائم لا تفطر؛ لأنها ليست أكلًا ولا شربًا ولا جماعًا، ولا بمعنى: الأكل والشرب، وعلى هذا فلا تفطر، والله عز وجل يقول:{فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}[البقرة: ١٨٧].
فإن قلت: ألا يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم ثم قضى؛ يعني: أفطر ثم قضى؟
الجواب: نعم يحتمل لا شك هذا وارد، لكن لو كان الأمر كذلك لنقل، ثم إن مثل هذا السياق يقتضى أنه سيق للاستدلال به على أن الصائم لا تؤثر فيه الحجامة فيكون هذا الإيراد غير وارد، كما نقول في قوله:"احتجم وهو محرم" أفلا يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد فدى؟ يجوز، لكن الظاهر خلاف ذلك؛ إذ لو فدى لنقل.
إذن يؤخذ من هذا الحديث: جواز الحجامة للصائم، وأنها لا تفطره.
فإن قلت: أفلا يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم احتاج إلى الحجامة، ومعلوم أن الصائم إذا احتاج إلى الأكل والشرب بحيث يتضرر بفقدهما في أثناء النهار يجوز له أن يأكل ويشرب، فيمكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لكونه يحتجم كثيرًا يمكن أن يحتاج إلى الحجامة في ذلك اليوم فاحتجم.
فالجواب أن نقول: ليس الكلام في جواز الحجامة من عدمها، نحن نقول: ما احتجم إلا والحجامة جائزة له إما لكونها جائزة للصائم مطلقًا، وإما لكونها جائزة عند الحاجة، وليس كلامنا في هذا الكلام هل تفطر أو لا؛ فظاهر الحديث أنها لا تفطر؛ لأنها لو كانت تفطر لنقل عنه قضاء هذا الصوم وأنه أفطر ذلك اليوم.
٦٣٥ - وعن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه:"أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم". رواه الخمسة إلا التِّرمذيَّ، وصحَّحه أحمد، وابن خزيمة، وابن حبَّان.
هذا الحديث يقول: مرَّ على رجل بالبقيع، والمراد بالبقيع: ما حوله؛ لأن البقيع هي: مدفن موتى أهل المدينة، والظاهر أن الناس لا يكونون في نفس المقبرة، "يحتجمون" لما في ذلك من تلويث المقبرة بالدم وغير ذلك، إلا أن يراد بالبقيع كل ذلك المكان، يعني: ما فيه القبور وما كان خارجًا عنه فيصح، على كل حال: ليس للمكان أهمية في المسألة، المهم: أن