الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"أفطر الحاجم والمحجوم"، "الحاجم": هو فاعل الحجامة، و"المحجوم" المفعول به، فـ"الحاجم" مثل الحلاق، و"المحجوم" مثل المحلوق، قوله صلى الله عليه وسلم:"أفطر الحاجم والمحجوم" هو كقوله: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم"، "أفطر" يعني: حل له الفطر، هنا "أفطر الحاجم والمحجوم" هل معناه حل لهما الفطر؟ لا، لكن هذا يختلف عن ذاك؛ لأن القول الراجح في ذلك- "فقد أفطر الصائم"- أي: حلَّ له الفطر، وليس المعنى: فقد أفطر حكمًا كما قيل به، أما هنا "فقد أفطر" يعني: أفسد صومه فأفطر.
وقوله:"أفطر الحاجم والمحجوم" فيه إفطار الرجلين، أما المحجوم فالفطر في حقه معقول ما هو المعنى؟ هو ما يحصل له من الضعف بخروج الدم، الضعف الذي يوجب ضرر البدن، وطلب البدن الأكل والشرب حتى يعوض ما نقص بخروج ذلك الدم، والإنسان في صومه جعله الله- سبحانه وتعالى- وسطًا بين الإفراط والتفريط بين أن يأكل ويشرب ليقوي البدن بالغذاء، وبين أن يحتجم ويستقيء فيضرَّ البدن بفقد الغذاء في القيء أو بفقد الدم في الحجامة، فراعى الشرع جانب العدل بالنسبة للبدن لا إفراط ولا تفريط، فجعل ما أدخل البدن مما يقويه مفطرًا وما أخرجه مما يضعفه جعله أيضًل مفطرًا حتى يقوم البدن بالعدل لا إفراط ولا تفريط، وهذا من الحكمة العظيمة.
فعلى هذا نقول: الحكمة في كون المحجوم يفطر هو: لأجل ما يحصل للبدن من الضعف الذي يحتاج معه إلى مادة غذائية يستعيد بها قوته، وعليه فإن كان الإنسان في ضرورة إلى الحجامة احتجم، وقلنا له: كل واشرب ولو في رمضان إذا كان في ضرورة؛ لأن بعض الناس ولا سيما الذين يعتادون الحجامة إذا فقدوها أحيانًا يغمى عليهم ويموتون، فإذا بلغ الإنسان إلى هذا الحد فنقول: احتجم وكل واشرب وأعد للبدن قوته، وإذا لم يصل إلى هذا الحد وكان بإمكانه أن يصبر إلى غروب الشمس، قلنا له: في الفرض يحرم عليك أن تحتجم ولا يجوز بل تبقى إلى أن تغرب الشمس وتفطر إن كان في نفلٍ، فالأمر واسع فيه؛ لأن النافلة يجوز للإنسان أن يأكل ويشرب ولو بلا عذر.
إذن عرفنا الحكمة بالنسبة للمحجوم، بالنسبة للحاجم قد تكون الحكمة خفية وهي كذلك في الحقيقة خفية جدًا؛ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الحاجم لا يفطر والمحجوم يفطر، لكن هذا القول- كما تنظرون- ضعيف جدًّا، لماذا؟ مصادم؛ لأنه يأخذ ببعض النص ويترك البعض، وقال بعضهم: الحكمة في المحجوم ظاهرة، وفي الحاجم تعبدية نحكم بما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ندري، وبناء على قولهم فالحاجم يفطر بأي وسيلة حجم؛ لأن المسألة