تعبدية، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: بل الحكمة معقولة فيهما أما في المحجوم فقد سبقت، وهي الضعف الذي ينهك البدن، وأما بالنسبة للحاجم فلأن الحاجم يمصُّ القارورة والدم قد يكون غزيرًا ويخرج بسرعة وشدة فينفذ إليه من القارورة دم وهو لا يشعر لشدة المصَّ، فجعلت هذه المظنة بمنزلة المئنة، قال: ونظيره النائم ينام والنوم نفسه ليس بحدث لكنه مظنة الحدث، فصار النوم ناقضًا للوضوء وإن كان قد لا يحدث منه ناقض، فشيخ الإسلام رحمه الله يرى أن الحكمة معقولة في الطرفين في الحاجم والمحجوم قال: وبناء على ذلك لو حجم بغير هذه الطريقة المعروفة فإن الحاجم لا يفطر، وأنتم أخبرتموني الآن أنهم يحجمون بغير هذه الطريقة فلو فرض أنه حجم بآلة تمصُّ بدل مص الآدمي فإنه لا يفطر بناء على أن العلة معقولة، وإذا كانت العلة معقولة فالحكم يدور معها وجودًا وعدمًا، لكن المشهور من مذهب الحنابلة أن الحكمة غير معقولة، والغريب أنها عندهم غير معقولة في الطرفين، ولهذا قالوا: لو فصد أو شرط الإنسان فصدًا وخرج به من الدم أكثر مما خرج بالحجامة فإنه لا يفطر؛ لأن الحكمة غير معقولة، إنما هي تعبدية. والشرط هو: شق العرق طولًا حتى يخرج الدم، أما الفصد فهو: أن يشقه عرضًا حتى يخرج الدم.
قال شيخ الإسلام: والأصلح في البلاد الحارة الحجامة وفي البلاد الباردة الفصد أو الشرط؛ لأن البلاد الباردة يغور فيها الدم ينزل إلى باطن البدن من أجل البرودة الخارجية، فكان الفصد أو الشرط أبلغ من الحجامة في استخراج الدم الفاسد، وأما في البلاد الحارة فإن الدم يخرج ويبرز على ظاهر الجلد فتكون الحجامة أنفع وأفيد، على كل حال هذه مسائل طبية.
في هذا الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"أفطر الحاجم والمحجوم"، ونحن إذا أخذنا بظاهره قلنا: فسد صومهما، وقد عرفتم أن للعلماء في بيان العلة في ذلك ثلاثة أقول: قول: إنها معقولة فيهما، وقول: إنها غير معقولة فيهما، وهذان القولان متقابلان، والقول الثالث: إنها معقولة في المحجوم غير معقولة في الحاجم.
إذن هذا الحديث يستفاد منه: أن الحجامة تفطر على السبب الظاهر المعلوم، فقال بعض العلماء: لا ولكن كادا يفطران، فخرجوا عن ظاهر الحديث وقالوا: كادا يفطران أما الحاجم فقالوا: نعم يكاد يفطر؛ لأنه لو شفط بقوة دخل الدم إلى جوفه فأفطر، لكن لو شفط شيئًا فشيئًا لم يفطر، فالمعنى: كاد يفطر الحاجم؛ لأنه ربما شفط بقوة فأفطر، إذن على قول هؤلاء يكون: