أن تقع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو كل ما ينافي كمال المروءة أو كمال الرسالة، هذا ممنوع مطلقًا؛ فالرسل الكرام - عليهم الصلاة والسلام - يمنعون مما يخل بالمروءة والآداب مثل: الزنا، اللواط، السرقة وما أشبه هذا. هم معصومون منه، معصومون أيضًا مما يخل بالرسالة كالكذب والخيانة، الكذب ينافي الرسالة؛ لأن الكاذب ليس أهلًا للصدق، الخيانة أيضًا تنافي الرسالة؛ إذ إن الخائن لا يمكن أن يوثق بقوله.
أما الذنوب الأخرى التي تقع عن اجتهاد فهذه تقع، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:{عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وتَعْلَمَ الكَاذِبِينَ}[التوبة: ٤٣]. فقال:{عَفَا اللَّهُ عَنكَ} قدم العفو قبل ذكر الذنب، وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١)} [التحريم: ١]. فبين الله أن هذا ذنب، لكنه غفر لقوله:{واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
ومن ذلك أن الله تعالى قال:{واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ}[محمد: ١٩]. فصرح أن له ذنبًا، وكذلك للمؤمنين والمؤمنات، وأما قول من يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، علانيته وسره"، فالمراد: ذنب أمته، فهذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه.
ونقول: أأنتم أعلم برسول الله من رسول الله؟ سيقولون: لا، إذن كيف ينسب إلى نفسه ذنبًا وهو لا يفعل الذنب وهو لا شك لو كان، لكان جناية على نفسه - عليه الصلاة والسلام - إذ يصفها بالذنب وهي لم تذنب، فإذا تقرر هذا فاعلم أن الرسل معصومون من الاستمرار في الذنب؛ بمعنى: أنه لابد أن يتوبوا إلى الله إما بانتباه من أنفسهم، وإما بتنبيه من الله، وبهذا يحصل الفرق بينهم وبين سار المؤمنين، فالمؤمن غير معصوم من الاستمرار في المعصية، لكن الرسل معصومون، وبهذا يحصل الفرق بين الذنوب التي تقع من المؤمنين ومن النبيين.
ثم اعلم أيضًا أن الإنسان يكون الذنب له بمنزله صقل الثوب وغسله؛ حيث يخشى من الله عز وجل، ويرى الذنب أمام عينيه، ويجد نفسه مستحيًا من الله - تبارك وتعالى -، فينيب إليه ويزداد رغبة بالوصول إلى مرضاته، بخلاف الإنسان الذي لم يشعر بالتقصير يستمر على ما هو عليه، ولهذا لما أكل آدم - عليه السلام - من الشجرة وأخرجه الله من الجنة، قال الله تعالى فيه: {وعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهَدَى} [طه: ١٢١ - ١٢٢]. فكان الاجتباء بعد المعصية. جرب هذا نجد إذا أذنبت ذنبًا وجدت نفسك منكسرة منهزمة أمام الله عز وجل، فتكثر من العمل الصالح، وتزداد رغبة فيما عند الله، فيكون هذا الذنب سببًا لتطهير القلب، ويكون الإنسان بعد التوبة خيرًا منه قبل التوبة.